استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

جرس انذار وحلم النهضة المجهضة: حين يغيب الإنسان وتضيع الأوطان


في التاريخ الحديث، تتكرر المأساة بأشكال متعددة ولكن بجوهر واحد: أمة تتحرر من استعمار أجنبي، تحتفي بقائدها الذي جلب النصر، ثم لا تلبث أن تقع في قبضة الفقر، والجهل، والفساد، وقد تعود إلى الاستعباد من باب آخر. من هذه التجارب المفجعة، تبرز قصة روبرت موغابي، محرر زيمبابوي من الاستعمار البريطاني، الذي أصبح رمزًا للحرية... ثم تحول إلى حاكم مستبد، وسقطت بلاده في مستنقع الانهيار.
لكن موغابي ليس وحده. هو مجرد تجلٍّ لحقيقة أعظم: لا تنهض الأمم بتحرير الأرض فقط، بل بتحرير الإنسان وإعداده للبناء قبل و بعد النصر.
بين التحرير والنهضة: الفجوة الكبرى
قاد موغابي حرب تحرير ناجحة، وأخرج الاستعمار من أرض زيمبابوي، لكنه لم يخرج التخلف من عقول شعبه، ولم يزرع فيهم أدوات النهوض ولا ثقافة العصر. فظلت البلاد تحمل جراح الماضي، وتعيش حاضرًا مأزومًا، وتُدير حاضرها بعقلية ما قبل الاستقلال.
تحررت الأرض، لكن لم تُبنَ مؤسسات، ولم تُزرع قيم الإنتاج، ولم تتشكل شريحة مجتمعية تملك وعيًا استراتيجيًا، وإدراكًا لطبيعة التحول، وقدرة على التعامل مع أدوات العصر الحديثة.
شريحة البناء: مفتاح النهضة المنسي
الأمم لا تبنى بالحماسة والعاطفة  مثل شعارات كالخلافه والحداثه ، بل تُبنى حين تتشكل فيها "شريحة البناء"، أي تلك الكتلة  من الناس الذين:
• يملكون الثقافة المكافئة للعصر،
• ويفهمون لغة العالم السياسية والاقتصادية والتكنولوجية،
• ويتنفسون قيمًا عليا تقودهم نحو التغيير لا الاستسلام،
• ويصبرون على مراحل البناء، كما صبر المجاهدون على سنوات التحرير.
هذه الشريحة هي صمّام أمان النهضة، وهي التي تحفظ المنجز بعد النصر، وتمنع عودة التخلف بلباس جديد.
لا تظنوا أن الخليفة أو المنقذ أو صلاح الدين... هو الحل
من حقنا أن نشتاق إلى قائد مصلح، وخليفة عادل، وشخصية بحجم صلاح الدين الأيوبي. هؤلاء عظماء لهم فضلهم، وكانوا نعم القادة لأزمانهم. ولكن لا تظنوا أن الخليفة المنتظر، أو القائد المنقذ، أو صلاح الدين الجديد، إن جاء بانقلاب عسكري أو انتخابات عاجلة، سيكون وحده هو الحل.
• لن يُقيم العدل وحده،
• لن يبني الاقتصاد وحده،
• لن يُغير القيم وحده.
إن لم يكن في الأمة شريحة بناء واعية، تدعمه وتُنجز مشروعه، فسيُحاصر ويُسقط، أو يتحول إلى مستبد يائس كما حصل مع موغابي، رغم نيته الطيبة ونصره المجيد.
الدرس الذي لا يجب أن ننساه:
قبل أن تحلموا بصلاح الدين، اصنعوا رجالًا يعرفون معنى المسجد الأقصى، ومعنى الشورى، ومعنى النهضه و الحضارة.
وقبل أن تتمنوا الخليفة العادل، ربّوا أجيالًا تعرف معنى التصورات الكبرى و العدل، وتؤمن بقيم الحرية، وتملك مفاتيح العلم والعمل.
وقبل أن تراهنوا على المنقذ، ابنوا الكتلة التي تُنقذ القائد من السقوط، لا أن تنتظر من القائد أن يُنقذها وحده.
خاتمة:
تجربة موغابي هي جرس إنذار... لمن يظن أن النصر كافٍ لبناء حضارة، أو أن القائد يكفي لنهضة أمة.
النصر دون إعداد، كالسيف في يد طفل.
والقائد دون شريحة بناء، كقارب في بحر متلاطم بلا مجذاف.
لن تنهض أمتنا بالخطب ولا بالشعارات، بل ببناء وعي، وصناعة رجال، وكتلة صلبة من المجتمع تعرف الطريق، وتُمهّد للقادة طريقهم، وتكون هي المنقذ الحقيقي قبل أن يأتي المنقذ المنتظر.


د.سامر الجنيدي_القدس

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.