استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الشعائر والمعاملات: منظور إسلامي في فهم التدين



جاء الإسلام ليصنع إنساناً قادراً على تحمّل المسؤولية لعمارة الكون والحياة، فكان ديناً شاملاً يشمل كل نواحي الحياة. يقول الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون:
"الدين هو الذي يجعل الإنسان يرى الأشياء بمنظور أعمق."

وعندما يتحوّل التدين إلى حركات بدن، وإتقان شكل، فإن حقيقته تضيع، وغايته تبتعد أو تتلاشى؛ فالمعنى الأصيل للتدين أن يكون حركة قلب ويقظة فكر، أما المراسم الجوفاء والصورة الشاحبة، فلا دلالة لها على شيء. ومن عجز عن تصحيح قلبه ولبّه، فهو عمّا سواهما أعجز.

في هذا السياق، نجد أن الإسلام يجمع بين الشعائر التي تُعبّر عن العبادة، والمعاملات التي تُنظم الحياة اليومية، لتشكيل رؤية شاملة للتدين.

قيمة الشعائر في حياة المتدين

تأتي الشعائر في الإسلام لتربط المسلم بربّه برباط وثيق، يستمد منه العون على القيام بتكاليف النهوض الحضاري وعمارة الأرض. وندرك هذا المعنى من قول الله تعالى:

> ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾

وهذه الشعائر من صلاة وصوم وزكاة وغيرها، هي تدريب للمسلم على الخضوع لله، مالك الملك، وهو الحق المطلق، والمسلم يخضع للحق إن عُرض عليه ولا يُكابر.

وقد جعلها الإسلام بمنزلة عظيمة، بل وخطوطاً حمراء لا يجوز تجاوزها بأي حال من الأحوال، بل هي علامات فارقة يُستدل بها المؤمن على إيمانه بالله رب العالمين. وهي طاقة روحية تمد المسلم بالنشاط الروحي والجسدي والمجتمعي، ويشعر بالسعادة تغمر قلبه، إذ جُبل الإنسان على التأله والشعور بأن هناك قوة يلجأ إليها في حال ضعفه وحاجته.

فما أجمل ذلك المظهر الجميل والمسلم ساجد، يقترب فيه من ربّه، حتى لكأنه يعيش في كنفه ويُناجيه بحاجته! وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مسلم قوله:

> "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء."

ولهذا، فإن تعظيم هذه الشعائر والقيام بها أمر بالغ الأهمية، كما قال الله تعالى:

> ﴿ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾

فهي تشكّل الجانب الروحي، وتملأ الفراغ النفسي.

دور المعاملات في حياة المتدين

إن دائرة المعاملات هي الدائرة التي يتفاوت فيها الناس كثيراً بين مُقِلٍّ ومُستكثر، وهذا الميدان هو الذي نعاني منه كثيراً كمجتمعات مسلمة. فنحن لا نشكو اليوم من قلة المصلين، فلله الحمد، مساجدنا تمتلئ بهم، ولكننا حين نرجع إلى السوق، لا نجد المتدين يُمثّل حقائق الدين وتصوراته.

قال الله تعالى:
> ﴿فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله﴾

وإنّ اتباع هذا التدين المنعزل عن واقع الحياة هو تماماً كما قال قوم شعيب:

> ﴿يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء﴾
فالدين بالنسبة إليهم واجب التطبيق في العبادات كالصلاة والصوم، لكنه ليس كذلك في المعاملات التي يرونها محكومة بالمصلحة وبما يفعله الناس.

التوازن بين الشعائر والمعاملات

حتى يستقيم الأمر، ويستقيم عمود الحياة من شقيه، لا بد من التوازن بين الشعائر والمعاملات، بل إن المعاملات نتيجة حتمية لصلاح الشعائر. وفي ذلك أدلة كثيرة، منها على سبيل المثال قوله تعالى:

> ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾

ومنها أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام:

> "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه."
وكذلك قوله تعالى:
> ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها﴾

فحقيقة التدين أن يكون المسلم في المسجد والسوق على حد سواء من الاستقامة والمراقبة لله. وإسقاط جناح من هذه المعادلة يُحدِث خللاً واضحاً في الحياة، وهو ما نعاني اليوم من آثاره.
وحين يتولى المسلم أو المتدين الذي اختلّ عنده هذا التوازن عملاً في المجتمع، فسوف يكون مُهيّئاً للفشل، لأنه لن يدفع تيارات الحياة إلى حيث يجب، بل ستدفعه هذه التيارات إلى حيث تشاء، وهنا الهزيمة الشاملة للدنيا والدين معاً.

الخـــــــــــلاصة

جاء الدين ليكون منهجاً لإدارة الحياة، وشرع الشعائر بمثابة الإمدادات الربانية التي يتلقّاها المسلم، ليخرج بعدها في إدارة الحياة وعمارتها على الوجه الذي يريده الله.
قال تعالى:
> ﴿يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة﴾
أي: أحِيطوا بالإسلام من كل جوانبه.



🖋 هائل العواضي.

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.