استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

لماذا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار؟ رؤية روحية وتأمليه


وردت قصة الخضر مع موسى عليهما السلام في نهاية سورة الكهف، وتعد من أكثر القصص القرآنية عمقًا وغموضًا، حيث تعكس أفعال الخضر الحكمة الإلهية التي قد تبدو غير منطقية للوهلة الأولى، لكنها تكشف في النهاية عن تدبير الله ولطفه بعباده. فكيف يمكننا فهم هذه القصة من منظور روحاني وتأملي؟

أفعال الخضر والحكمة الإلهية

• خرق السفينة: قام الخضر بخرق السفينة التي كانت لمساكين يعملون في البحر، رغم أنها كانت مصدر رزقهم، وذلك لحمايتها من الملك الظالم الذي كان يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا. للوهلة الأولى، يبدو هذا الفعل ظلمًا، لكنه كان في الحقيقة إنقاذًا لها من الضياع.
• قتل الغلام: كان الغلام كافرًا، وكان أبواه مؤمنين، وكان في علم الله أنه سيجرّهما إلى الكفر إن كبر، فقتله الخضر بأمر من الله، وكان ذلك رحمةً بوالديه. وهنا نجد أن الابتلاء بفقدان الولد قد يكون في الحقيقة نعمة خفية.
• إقامة الجدار: كان الجدار في قريةٍ بخيلة لا تكرم الضيوف، ومع ذلك، أقامه الخضر دون مقابل، لأن تحته كنزًا لغلامين يتيمين، وأراد الله أن يحفظ الكنز لهما حتى يكبرا، فلا يُؤخذ منهما ظلمًا.
هذه الأفعال الثلاثة تعكس سنن الله في الكون، حيث قد يمنع عنك شيئًا تحبه لحمايتك، وقد يبتليك بحدث مؤلم لكنه في حقيقته رحمة، وقد يؤجل الخير لك ليأتيك في الوقت المناسب.

الرؤية الروحية للأحداث الثلاثة

إذا تأملنا هذه القصة بنظرةٍ تربوية وروحانية، يمكننا إسقاط معانيها على حياتنا، فنجد أن:
• سفينتك هي نفسك، فاخرقها بالمجاهدة
النفس بطبيعتها تميل إلى الراحة والركون إلى الدنيا، لكن الإنسان لا يرتقي إلا بالجهاد الداخلي، سواء كان ذلك بمجاهدة الشهوات، أو التزكية، أو الصبر على الابتلاءات. فكما كان خرق السفينة إنقاذًا لها، فإن مجاهدة النفس وإن كانت مؤلمة في البداية، فهي تحفظها من الضياع في النهاية.
• غلامك هو هواك، فاذبحه بسيف المخالفة
الهوى إذا لم يُكبح، قاد الإنسان إلى المهالك، تمامًا كما كان الغلام سيقود والديه إلى الكفر. لذلك، فإن التخلص من الهوى ومخالفته هو السبيل إلى النجاة، لأن اتباع الأهواء يعمي البصيرة ويبعد الإنسان عن الحق.
• جدارك هو قلبك، فأقمه بالطاعة
القلب هو وعاء الإيمان، وإذا كان مائلًا أو منهدمًا، فلن يحفظ الكنز الذي أودعه الله فيه من الفطرة والإيمان. والطاعة هي التي تقيم هذا الجدار وتحفظ كنز الروح من الضياع، تمامًا كما أقام الخضر الجدار ليحفظ كنز اليتيمين.
• والكنز هو الجنة
في النهاية، فإن كل هذه التضحيات والمجاهدات تهدف إلى حفظ "الكنز الحقيقي"، وهو الفوز برضوان الله والجنة. فما يظنه الإنسان اليوم خسرانًا قد يكون في حقيقته بابًا إلى الفلاح الأبدي.

الخاتمة

قصة الخضر وموسى ليست مجرد أحداث وقعت في الماضي، بل هي رمز للطريقة التي يدير الله بها حياة عباده. قد لا نفهم لماذا تحدث بعض الأمور، لكن الإيمان بحكمة الله يجعلنا نرى أن وراء كل خرقٍ نجاة، ووراء كل فقدانٍ رحمة، ووراء كل صبرٍ كنز محفوظ.
فلتكن هذه القصة درسًا لنا في الإيمان والثقة بالله، ولنتذكر دائمًا أن "سفينتك قد تُخرق لتحيا، وغلامك قد يُقتل لتنعم، وجدارك قد يُرمم ليحفظ لك كنزًا لم تتوقعه".والله أعلى واعلم



د.سامر الجنيدي_القدس

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.