(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحديد/٢٥.
لقد أرسل الله رسله بالدلائل الواضحة الدالة على رساليتهم وانزل معهم الكتاب الذي يمثل الدستور والقواعد العامة التي تضبط حركة الناس في خط الاستقامة، والميزان الذي يعد المعيار الذي توزن به أفعال الناس وفي اعتقادي ان الميزان هو القانون الذي يراد تطبيقه بين جميع الناس والقانون مشتق من الكتاب الذي يمثل الخطوط العامة التي تشتق منها القوانين للناس.
(ليقوم) وتعني قيام الناس بالأمر وهو الحكم بمعنى الدولة في فهمنا المعاصر ولم يقل ليقوم الرسل وفيها اشارة الى ان الشأن العام من مختصات الناس في تدبير أمورهم العامة وفق الكتاب والميزان بمعنى آخر الدولة من شأن الناس كل الناس وليس من شأن طائفة أو فئة أو عرق أو أي اعتبار غير الناس وملاكها العدل.
ويبدو أن الرسل يكمن دورهم في تربية وتدريب الناس وتمرينهم على اقامة العدل والاحتكام الى الميزان في تقييم حركة الناس فالرسل يُعلّموا الناس من خلال الكتاب ومن خلال القدوة والأسوة معاني العدل حتى يصلوا الى القيام بالعدل واللام هنا تفيد على ما أظن التعليل فارسال الرسل بالبينات وانزال الكتب والميزان معهم ليمارس الناس العدل حتى يتحول الى ثقافة راسخة بمعنى يتحول العدل الى قيمة اجتماعية في العمق يأمر بها المجتمع بطريقة تلقائية من خلال التربية التي يقوم بها الرسل.
وقيام الناس بالأمر وادارة شأنهم العام لا يكفي الكتاب والميزان في ردع المخالفين والمتمردين على النظام لذلك انزل الحديد وفيه اشارة الى القوة وهي ضرورة في ادارة الشأن العام الى جانب الالتزام بالقانون والقوة تصنع السلام وتمنع من التجاوز والاعتداء وهنا أيضاً يتضح لنا ان الدول تقوم بالعدل الى جنب امتلاك القوة.
وقد أشارت الآية الى منافع الحديد وبالفعل حقق الحديد طفرة نوعية في عالم الصناعة عندما بدأت حركة التطور العلمي والتكنلوجي.
ليعلم الله من ينصره في اقامة العدل وتحقيق مصالح الناس ورفع مكانة القيم والدين والعلم عبر مجتمع مشبع تربي على قيم العدل والانصاف والله قوي عزيز لا غالب له وهذه الصفة يجب أن تتحول الى هدف استراتيجي في الاقتدار الحضاري في المنعة والقوة والعزة والكرامة والنمذجة القيمية الحضارية.
كتابة: د. جبار الطويل