استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الوحي وإعادة هندسة السؤال الإنساني


الإنسان كائن متسائل بطبعه، تحمل فطرته منذ اللحظة الأولى ميلًا جوهريًا نحو البحث عن المعنى، عن العلة، عن الغاية، نجد ذلك جلياً في أحاديث الأطفال.. غير أن هذا الميل، رغم أصالته، لا يظل على صفائه الأول؛ فمع مرور الزمن وتراكم التجارب، قد تنحرف وجهته، فينزلق إلى أسئلة تستهلك طاقته دون أن تضيف إلى وعيه، أو يغرق في متاهات فكرية لا تعيد تشكيل رؤيته بقدر ما تستنزفه في دوائر مغلقة.. 

وهنا يتدخل الوحي، لا ليلغي السؤال، بل ليعيد ترتيبه، ليضعه في موقعه الصحيح من البناء المعرفي والوجودي.

فالوحي لا يقدّم للإنسان إجابات جاهزة تجمّد عقله، بل يوقظ فيه منهج السؤال السليم، ذاك الذي يربط الفكر بالواقع، والعقل بالحكمة، والمعرفة بالفعل. فليس كل سؤال مُنتِج، وليس كل استفهام بابًا إلى الحقيقة؛ ثمة أسئلة تدور في الفراغ، وأخرى تفتح أبواب الإدراك، والوحي هو الميزان الذي يعيد للإنسان وعيه بأسئلته، فيفرّق بين ما يقوده إلى النور، وما يجرّه إلى التيه.

في هذا السياق، لا يكون السؤال فعلًا عشوائيًا، بل مسؤولية معرفية وأخلاقية، تتحدد قيمته بقدر ما يسهم في استعادة الإنسان لوعيه بذاته ومكانه في الوجود.

✍🏻 ريم سويد



تعليق من الاستاذ محمد بن عزة:

إنه لموضوع خصب ومفتاحي لمستقبل العلاقة بين العلوم 
وبينها ككتلة تخصصات والحضارة ..الحضارة من حيث هي تداخل بين المعلوم (تخصصيا) وبين مجاهيل الحياة والوجود  والأنفس، التي لم تعلم بعد
لم تعلم بعد، ومع ذلك هي طرف في الخطوات الحضارية!!
ويبدو أن هذه المجاهيل لن تتناقص مع زيادة زحف وتشعب التخصصات، بل تزداد !!
وهنا، يظهر أن أسئلة الإنسان،  وتساؤلاته تزداد أيضا!!
بل تتعقد ..وتصبح أكثر جدية..
فكأنما  هندسة التساؤل ضرورة منهجية ومعرفية ، لا بل وجودية ..
وجودية :فلسفيا..وبقائيا أيضا:
إذ أن زحف الحضارة ثم تسارعها في زيادة المجاهيل والتحديات ، لا يرتد فقط بالالغاز ..بل وأكثر، بالازمات!! الى حد تهديد توازن البقاء!!
**هنا، ينبجس دور  محوري للوحي:
هندسة، وإعادة  صياغة التساؤلات الإنسانية
وذلك، وعلى غير عادة الصورة النمطية التي تعتبر الرسالة مجرد أوامر ونواهي ناجزة مغلقة قامعة  للتساؤل، 
فالحقيقة الصادمة لهذه الصورة،أن العكس :
الرسالة الاخيرة ، او الوحي الأخير ، هو أكثر المصادر قاطبة استثارة وتشجيعا على التساؤل!!
بل هو (الوحي ) لو ينظر إليه في هذا السياق الذي عرضته الاستاذة مشكورة، 
سيظهر  كعملية *إحياء للتساؤل*
##أمثلة:
وأول نموذج : 
أن يتنزل في  حدود العالم القديم، باعتبار التقسيم العلمي للتاريخ البشري، ومع ذلك يجعل عملية اعتناقه مشروطة بعدم الإكراه!!
(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي..)!!
وعدم الإكراه ، معناه الدخول بحرية!!
وهنا تزدهر التساؤلات ..والأسئلة 
في نفس المقطع الموضوعي من نفس السورة :
#(..ربي أرني كيف تحيي الموتى !؟؟)
فلم يكن حوار تساؤليا حدث وتم التشجيع عليه، لا بل خلد في  الوحي الأخير  ، ليكون نموذجا
#وحتى خلال المعجزة ..معجزة الإقدار الإستثنائي على سماع كلام الله مباشرة !!
سمح بالسؤال:
(..ربي أرني أنظر إليك!!
قال: لن تراني..ولكن انظر إلى الجبل، فإن استقر مكانه فسوف تراني.
فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا..)
سبق أن سميتها: " التجربة الوجودية الحدية"  بمعنى أن لم يحرم التساؤل عندها قمعا بل فرضته الضرورة الحدية الناتجة عن الطبيعة الصميمية للكيان البشري!!لا بل الكوني نفسه : الجبل!!
مثال آخر :
(..أم خلقوا من غير شيء !؟ 
أم هم الخالقون!؟
أم خلقوا السماوات والأرض! ؟ 
بل لا يوقنون)
##والغاية  من مركزية التساؤل بل التشجيع عليه الى حد التوبيخ الإستنكاري في القرآن،  على تركه ، الغاية  هي : تحرير  الإنسان .
تحرير الإنسان من أن تستعبده منظومات مغلقة ناجزة وجاهزة
تكون قد أعدتها قوى مسيطرة بليل حيث تم تغييب الإنسان ، لتفرضها عليه من دون حق السؤال: 
أن : لماذا ؟؟!!
وكيف!!؟؟
ومتى !؟
ومن تم، فتحريم  الإعتناق الإكراهي للحق، أصل ملزم بالأولى لجعل التساؤل حقا
فتترسخ الفعالية والوضوح والمسؤولية المشتركة  في الاعمال والعلاقات 
وذلك أساس السلم الاجتماعي ثم العالمي
وهنا يبدو أن  التبين (بتشديد الياء ورفعها) علة السؤال ونتيجة له:
فيضمن  العلم بعده والحرية قبله:
(فلما تبين له، قال: 
أعلم أن الله على كل شيء قدير )
يعني أن الفقه الموضوعي للعلوم يحيي التصور الوجودي عن الله
ألف شكر على  طرح هذا الموضوع  المحبب والحاسم في بلورة الجهاز المعرفي السليم 

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.