التصور الإسلامي للإبداع: رؤية قرآنية مقارنة

في الفكر الغربي، هناك العديد من التعريفات للإبداع، ومن أشهرها:

• تعريف عالم النفس جيلفورد (Guilford): يرى أن الإبداع هو "القدرة على التفكير بطرق جديدة وغير تقليدية وإيجاد حلول للمشكلات بطريقة متميزة".

• تعريف تيريزا أمابيل (Teresa Amabile): "الإبداع هو إنتاج أفكار أو نواتج جديدة ومفيدة في أي مجال".

• تعريف روجرز (Rogers): "الإبداع هو التعبير عن الفرد بحرية بطريقة جديدة تعكس أصالته وقدرته على التجديد".

يُنظر إلى الإبداع على أنه القدرة على إنتاج شيء لم يكن موجودًا من قبل، أو تحسين شيء قائم بطريقة تضيف له قيمة. ومع ذلك، تركز معظم هذه التعريفات على البعد العقلي والمادي دون ربطه بمنظومة أخلاقية أو غائية واضحة، مما يجعله في كثير من الأحيان محايدًا أخلاقيًا، وقد يتم توظيفه لأغراض إيجابية أو سلبية حسب السياق.

في التصور الإسلامي، يُنظر إلى الإبداع من زاوية مختلفة، حيث يتم ربطه بالخلافة في الأرض، وإعمارها وفق منهج الله. يمكن تعريف الإبداع في الإسلام على أنه:

"إعمال العقل والموهبة التي وهبها الله للإنسان، لإيجاد أفكار أو منتجات أو حلول جديدة تحقق المنفعة، في إطار القيم الأخلاقية والتشريعات الإسلامية، وتحقق غاية الاستخلاف في الأرض".

• الإبداع صفة إلهية

• قال الله تعالى: "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" (البقرة: 117).

• "بديع" تعني الخلق على غير مثال سابق، مما يدل على أن الإبداع في الإسلام ليس مجرد تطوير أو تعديل، بل يشمل الإتيان بجديد وفق الحكمة الإلهية.

• الإبداع كوسيلة لتحقيق الاستخلاف

• قال تعالى: "هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود: 61).

• أي أن الله جعل الإنسان مسؤولًا عن تعمير الأرض، وهذا يشمل الابتكار والتطوير بما يحقق الخير للمجتمع.

• التفكر والتدبر كأدوات للإبداع

• قال تعالى: "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" (آل عمران: 191).

•  التفكير الإبداعي مطلوب، لكنه يجب أن يكون وسيلة للوصول إلى الحق والخير، لا مجرد وسيلة للربح أو الشهرة.

• التسخير والابتكار في خدمة الإنسانية

• قال تعالى: "وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ" (الجاثية: 13).

• مما يدل على أن كل الموارد والطاقات مُسخرة للإنسان ليبدع في استخدامها، بشرط أن لا يكون ذلك استغلالًا مفرطًا أو مفسدًا.

الإبداع في الإسلام ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق الغاية الكبرى، وهي تحقيق الرشد والتوازن في الحياة وفق المنهج الإلهي. بعكس التصور الغربي الذي يرى الإبداع كأداة للتطور والتميز الشخصي أو المجتمعي دون قيود، فإن التصور الإسلامي يجعله مرتبطًا بمنظومة أخلاقية تضمن أن يكون الابتكار في خدمة الإنسانية وليس ضدها. لذا، فالإبداع في الإسلام هو مسؤولية وأمانة، وليس مجرد قدرة عقلية أو مهارة فنية.

د.سامر الجنيدي القدس