استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

صراع العلن في لعبة الأمم!!


بعد السابع من أكتوبر، شهدت المنطقة المحيطة بالبحر الأحمر وباب المندب تصعيدًا متزايدًا من قبل الحوثيين ضد القوات الأمريكية وحلفائها في المنطقة، مما يثير تساؤلات حول الأبعاد الاستراتيجية لهذا التصعيد ودور القوى الكبرى في هذه الحرب غير المباشرة -لا سيما طهران وواشنطن- في خلفيات هذا الصراع. 
يطرح هذا التصعيد نفسه كجزء من حرب بالوكالة تنطوي على مصالح سياسية معقدة، دون رد فعل حقيقي من قبل واشنطن.

يعتبر البحر الأحمر وباب المندب نقطتان استراتيجيتان في التجارة العالمية، حيث يعتبران ممرًا حيويًا لشحنات النفط والملاحة الدولية، ولذا، كان التصعيد الحوثي في هذه المنطقة مصدر قلق كبير للقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين (السعودية والإمارات) وعلى الرغم من أن الحوثيين يعلنون عن أهدافهم في الدفاع عن اليمن ونصرةً لغزة ومقاومة التدخلات الخارجية؛ إلا أن الهجمات على السفن التجارية ومرافق الشحن -فضلًا عن التهديدات ضد القوات الأمريكية في المنطقة- تعكس توسعًا في أهدافهم العسكرية والسياسية، وقد تزايدت الهجمات الحوثية باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، مما يشير إلى دعم إيراني غير مباشر يعكس التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
لا بد من الإشارة إلى أن إيران تعتمد على مرتكز جيوسياسي مهم في المنطقة العربية والإسلامية بغية تعزيز نفوذها الإقليمي وتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وأهم مرتكز هو: تعزيز النفوذ الطائفي والسياسي، وذلك من خلال دعم الجماعات الشيعية في عدة دول عربية فيما يُعرف بـ "الهلال الشيعي" والذي يربط كل من: (العراق، سورية، لبنان واليمن) لكن بعد تحرير سورية وكنس بقايا الميليشيات الطائفية؛ اهتز التوازن الاستراتيجي واختلفت المعادلة. 

أما عن العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؛ هي واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا في السياسة الدولية على الإطلاق، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط. 
الولايات المتحدة التي ترى في طهران تهديدًا استراتيجيًا بسبب برنامجها النووي ودعمها للجماعات المسلحة مثل: (حزب الله اللبناني، الحرس الثوري الإيراني، الحوثيون والحشد الشعبي العراقي) حيث تواصل محاولاتها للضغط على طهران عبر العقوبات الاقتصادية والمفاوضات الدولية، ومع ذلك، تشير العديد من التحليلات السياسية إلى أن هذه الحرب الدبلوماسية العلنية بين البلدين قد تخفي وراءها علاقات سرية تتيح للطرفين إدارة صراعات بالوكالة، مثل الوضع القائم في اليمن.

إيران التي تدعم الحوثيين بشكل كبير من خلال تقديم الأسلحة والتدريب العسكري، تستفيد من هذا الصراع لتوسيع نفوذها في البحر الأحمر، وبالتالي تهديد المصالح الأمريكية وحلفائها، وفي الوقت ذاته، تستفيد أمريكا من هذه الهجمات على الحوثيين لإبقاء الوجود العسكري في المنطقة وتعزيز تحالفاتها مع دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات.

العديد من التحليلات تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تتغاضى عن التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب كجزء من سياستها الأوسع تجاه إيران، ورغم أن واشنطن تدين الهجمات الحوثية؛ إلا أنها لم تتخذ إجراءات صارمة ضد إيران بشكل مباشر، مما يعكس حالة من "الحرب الباردة" المبطنة بين واشنطن وطهران.

هذا التراخي الأمريكي في الرد على الهجمات الحوثية قد يكون جزءًا من سياسة الضغط على إيران دون الدخول في صراع مباشر، حيث تحاول واشنطن الحفاظ على استراتيجيات التفاوض مع إيران في مسائل أخرى، أهمها الملف النووي الإيراني.

لكن يبدو أن التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب هو مجرد جزء من لعبة أكبر بين إيران والولايات المتحدة، حيث تتحول المنطقة إلى ساحة لصراعات بالوكالة تهدف إلى تحقيق مصالح سياسية بعيدة عن المواجهة المباشرة، في حين أن إيران تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة عن طريق دعم الحوثيين، وتعمل الولايات المتحدة على ضمان سيطرة حلفائها على الممرات الحيوية في البحر الأحمر، وكذلك الحفاظ على وجودها العسكري في المنطقة، مما يضمن لها نفوذًا أكبر في مواجهة توسع إيران في قلب الوطن العربي.

بالرغم من اتخاذ واشنطن مواقف عامة تدين الحوثيين؛ إلا أنها لا ترد ردًا حقيقيًا على التصعيد في البحر الأحمر، ما يثير تساؤلات حول نواياها. هل هي ببساطة تفضل الحفاظ على استقرار الوضع الراهن دون التصعيد المباشر مع إيران؟ أم أن هناك اتفاقات غير معلنة بين واشنطن وطهران حول كيفية إدارة هذا الصراع، بحيث يتم تسييره بطريقة لا تؤدي إلى انفجار الصراع بشكل غير متحكم فيه؟

في النهاية، يعتبر التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب علامة على أن المنطقة أصبحت ساحة صراع بين القوى الكبرى، حيث تُستخدم الحروب بالوكالة لتحقيق مصالح سياسية، وإيران تدعم الحوثيين كجزء من استراتيجيتها لتوسيع نفوذها في المنطقة، بينما تتحرك الولايات المتحدة بطريقة حذرة، بينما تركز على ضمان مصالحها الاستراتيجية دون الدخول في صراع مباشر مع إيران. 
في هذه الأثناء، يبقى اليمن وساحل البحر الأحمر رهينًا للصراع بين هذه القوى، مع تأثيرات سلبية على الأمن الإقليمي والعالمي.
وأود أن أنوّه إلى نقطة بأن إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" أبدت استعدادًا للقضاء على رؤوس أذرع إيران في المنطقة العربية، ولا سيما الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق، وهذا يفتح لنا تساؤلات أخرى نقدمها على حسب المعطيات السياسية في المقالات القادمة.

✍🏻 الأغيد

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.