استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

استقروا بالله خيرا: بين الاستقراء واليقين


في عالم مليء بالتغيرات والتحولات، يبحث الإنسان عن الاستقرار النفسي والفكري. غير أن هذا الاستقرار لا يتحقق إلا حين يجمع بين العقل الذي يقرأ الواقع بعين الاستقراء، والقلب الذي يطمئن بذكر الله. من هنا تأتي عبارة "استقروا بالله بخير" وهو مصطلح قد ابتكرته كدعوة للتأمل في الحياة، وفهم مجرياتها بناءً على منهج علمي وروحي متكامل.

الاستقراء: قراءة الواقع بوعي

الاستقراء هو منهج علمي يعتمد على دراسة الجزئيات للوصول إلى تعميمات صحيحة. وهو يختلف عن الاستنباط الذي يبدأ من القاعدة العامة ليستنتج منها الجزئيات. في الحياة اليومية، نمارس الاستقراء حين نحاول فهم أحداث حياتنا عبر تحليل الوقائع والبحث عن الأنماط المتكررة.
على سبيل المثال، حين يلاحظ الإنسان أن النجاح لا يأتي إلا بعد الصبر والعمل، فإنه يستنتج قاعدة عامة تقول إن الاجتهاد يؤدي إلى النتائج الإيجابية. هذا الفهم لا يأتي عبر التوقعات العشوائية، بل عبر الملاحظة الدقيقة والتأمل العميق في التجارب السابقة.

الاستقرار بالله: طمأنينة اليقين

لكن الملاحظة وحدها قد لا تكفي لتحقيق الطمأنينة. فالعقل وحده قد يقود إلى الشكوك والقلق، خاصة عندما لا تبدو الأمور منطقية أو عندما تواجهنا مفاجآت غير متوقعة. هنا يأتي دور الإيمان بالله، الذي يضفي على الاستقراء بعدًا روحانيًا.
"استقروا بالله بخير" تعني أن الإنسان يمكنه أن يستنتج الخير من خلال الواقع، لكنه في النهاية يجد استقراره الحقيقي في التوكل على الله والرضا بحكمته. فحتى لو لم تتطابق النتائج مع توقعاتنا، يبقى الإيمان بأن كل شيء يسير وفق نظام إلهي متقن، مما يمنحنا راحة داخلية.
الدمج بين المنهج العلمي واليقين الروحي
الحياة تتطلب توازنًا بين العقل والقلب، بين التحليل والإيمان. لا يمكن للإنسان أن يعيش حياة سليمة إذا كان يعتمد على أحدهما فقط دون الآخر. فالتفكير بدون إيمان قد يقود إلى الحيرة، والإيمان بدون تفكير قد يجعل الإنسان يقع في السلبية وعدم السعي.
لذلك، يمكننا تلخيص هذه الفكرة في ثلاث خطوات:
• مراقبة الواقع وتحليل الأحداث: كن واعيًا لما يجري حولك، لا تتسرع في الحكم، بل ابحث عن الأنماط المتكررة في الحياة.
• الاستنتاج بحكمة وهدوء: استخلص القوانين التي تحكم الأمور، وكن مرنًا في تقبل المتغيرات.
• الطمأنينة بالله: بعد أن تبذل جهدك في التحليل والفهم، سلم أمرك لله وكن على يقين بأن كل شيء يسير وفق خطة أعظم.
سوف اعطي مثالا من واقعي كطبيب اسنان
مشكلة تأخر مواعيد المرضى في عيادة الاسنان
لدي في عيادتي مشكلة متكررة وهي تأخر المرضى عن مواعيدهم، مما يؤدي إلى ارتباك الجدول وتأخير المرضى الآخرين، وأحيانًا خسارة بعض المواعيد.

تطبيق الاستقراء لحل المشكلة

1. جمع البيانات وتحليل الواقع (الملاحظة والاستقراء)
بدلًا من التصرف بناءً على انطباعاتك فقط، تبدأ بجمع بيانات عن المشكلة:
• متى يحدث التأخير غالبًا؟ صباحًا أم مساءً؟
• هل المرضى الجدد يتأخرون أكثر من المرضى القدامى؟
• هل التأخير يزداد في أيام معينة من الأسبوع؟
• هل هناك عوامل خارجية مثل الازدحام المروري أو قلة أماكن الانتظار؟
2. تحديد الأنماط والتكرار
بعد تحليل الملاحظات، تجد أن:
• المرضى الذين يحجزون في الفترة الصباحية يلتزمون أكثر بالمواعيد.
• المرضى في المساء يتأخرون بسبب ازدحام الطرق بعد العمل.
• المرضى الجدد يتأخرون أكثر لأنهم يواجهون صعوبة في العثور على العيادة.
• بعض المرضى يتأخرون لأنهم يعتقدون أن "التأخير العادي" مقبول، بسبب عدم وجود سياسة صارمة تجاه المواعيد.
3. استنتاج القواعد وتطبيق الحلول
بناءً على الاستقراء، يمكنك استنتاج حلول عملية:
• إرسال رسالة تذكير قبل الموعد بساعة مع موقع العيادة لتجنب ضياع الوقت في البحث عنها.
• تحديد مواعيد المرضى الجدد في الفترة الصباحية حيث يكون لديهم وقت كافٍ للوصول بدون زحام.
• تطبيق سياسة تأخير واضحة: إذا تأخر المريض أكثر من 10 دقائق دون إشعار، يتم إلغاء الموعد أو تأخيره لآخر اليوم.
• إعادة جدولة بعض المواعيد المسائية لتبدأ قبل فترات الذروة المرورية.
النتيجة
بعد تطبيق هذه الحلول بناءً على الاستقراء، تقل حالات التأخير، ويصبح جدول المواعيد أكثر انضباطًا، مما يحسن تجربة المرضى ويزيد من كفاءة العيادة.
فبدلًا من اتخاذ قرارات عشوائية أو الاعتماد على المشاعر، استخدمت الاستقراء لجمع البيانات وتحليلها، ثم استخلصت حلولًا منطقية بناءً على الأنماط المتكررة. هذا الأسلوب يمكن تطبيقه في أي مجال آخر، من الإدارة إلى التسويق وحتى الحياة الشخصية!

خاتمة: استقرار القلب والعقل معًا

"استقروا بالله خيرا" ليست مجرد عبارة، بل هي فلسفة حياة تدعو إلى الجمع بين الفكر الواعي والإيمان العميق. حين يفهم الإنسان الواقع من حوله بوعي، ثم يسلم أمره لله بقلب مطمئن، فإنه يحقق استقرارًا حقيقيًا يجعله أكثر قدرة على التعامل مع تحديات الحياة.
إنها دعوة إلى أن نقرأ الواقع، نفهمه بعقولنا، ثم نطمئن إليه بقلوبنا، لأن الخير دائمًا موجود لمن يبحث عنه ويؤمن به.



د.سامر الجنيدي_القدس


تعليق من الاستاذ محمد بن عزة:

روعة حقا ماشاء الله 

هذا تطبيق عملي لأفكار النهضة في واقع الحياة!!

شخصيا، أشجع كافة كتابنا الأفاضل، على نقل تجاربهم الخاصة عبر كتابتها: فهذا الأمر يغني ويفيد في تبيئة مبادئ النهضة

مما قد يفعل كل تجربة الى آفاق جديدة:
مثلا، أن يتولى طبيب آخر البناء على ما انتهى إليه هنا الدكتور سامر ، ثم يكتب عما توصل إليه:

فنكون قد عمقنا المنهج والنظرية معا ضمن نفس المسار التخصصي: وهذا هو التطوير والتقدم!!

أو حتى يقدم كاتب من مجال مختلف الى دراسة هذه التجربة وإعادة تطبيقها في مجاله: بحيثيات أخرى ومع زبائن أو كيانات أو مؤسسات مختلفة

وحين يكتب عن تجربته : سنكون أمام توسيع أفقي : عابر للتخصصات!!

وهذا نوع آخر من التطوير : كثيرا ما يأتي ب" فتوحات مبهرة"
مثلا : نوع من تقنيات استشراف المستقبل يسمى:
"التحليل المورفولوجي" فعال جدا في بناء السيناريوهات وغربلتها...هذا المنهج استقدم (نقل من مجال مختلف) من تقنيات تحسين المعدات العسكرية: عبر دراسة البنية والمكونات والعلاقات المتاحة لأجل إنتاج ما هو احسن!!

هنا ، تدخلت عبقرية علماء المستقبليات، حين تخيلوا إمكانية نقل هذه الآلية الى مجالهم: تطوير عملية الغربلة لتحديد السيناريوهات المعقولة 

#قضية اخرى في مقالكم د.سامر، هي الموازنة بين تحقيق الجهد العلمي ميدانيا وبين التفويض والإستقرار الروحي!!

هنا ينبع الإستقرار من التأكد من عملية تحقيق الجهد المطلوب لتنزل التأييد الرباني عليه

وها قد وفقتم بين الصبغة العلمية والصبغة الايمانية بلا تكلف!!

الجهد المطلوب ميدانيا (وليس تخمينيا) هو محل تنزل التوفيق الرباني!!

إذ يضعنا مباشرة على طريق السنن..وإن تأخر الرد

تأخر الرد في الواقع أو حصوله على غير المتوقع، يفتح مجالا لتعميق البحوث وليس للإستنكار :
إذ اليقين بصحة الوجهة يفجر السؤال على النحو التالي:
**ما دمنا قد عمقنا البحث عموديا وأفقيا ولم تحصل النتائج !!فهذا يدل على أن هناك تعقيدات أو آفاقا أو علاقات أخرى لم نضعها في الإعتبار!!

إذ لا يمكن الشك في رسوخ القوانين العلمية (السنن) ولا في ضياع الجهد الصحيح!!


)وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى) 

حتى وإن لم يحقق مراده

ولن يعكره سعي دخيل(عند الله) إذ قد يعكره في الدنيا

رجع هذا الاطمئنان هائل جدا 

شكر الله لكم دكتور سامر على فتح هذه المبادرة 
وشكر الله لكم جميعا تقبلها بالإيجاب

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.