قصة نبي الله يوسف

ذكر اسم نبي الله يوسف عليه السلام سبعا وعشرين مرة في ثلاثة سور: الأنعام، يوسف وغافر، خمس وعشرون مرة في سورة يوسف، ومرة واحدة في كل من سورة الأنعام وغافر، فسميت سورة باسمه وفيها قصته كاملة، وهو استثناء في القصص القرآني، فحتى السور التي سميت بأسماء الأنبياء، كانت قصصهم مجتزأة وغير كاملة كسورة يونس وهود وابراهيم ونوح، وحياة سيدنا يوسف عليه السلام مليئة بالأحداث ما يجعلها من أشهر القصص القرآني، وقد مرت حياته بخمس محطات رئيسية إما تبدأ بنعيم فتنتهي بسوء، أو تبدأ بسوء فتنتهي بنعيم: 

عاش سيدنا يوسف عليه السلام مع أخيه الصغير بنيامين وعشرة إخوة لأبيه يعقوب عليه السلام، عرف بالجمال والفطنة وأنه من أحب إخوته لأبيه، ما جعله محسودا من إخوته، كما مرت عليه رؤيا خير بأن رأى إحدى عشر كوكبا والشمس و القمر له ساجدين، وقد قصها على أبيه فأمره ألا يقصها على أحد خشية أن ينال منه إخوته، ففعل ورغم ذلك حصل ما خشيه وكادوا له بأن جعلوه في جب فمرت عليه قافلة فاستخرجوه واتخذوه عبدا، فادعوا لأبيه بأن ذئبا قد أكله وقد لطخوا قميصه بدم كذب، بعدما أقنعوه باصرار منهم أن يبعثه ليلعب ويرتع معهم.

فبعدما أخذته القافلة إلى مصر، بيع هناك لامرأة عزيز مصر التي أعجبت بجماله، ولم يكن لها ولد، فرعته واهتمت به كولدها، لكن انتهى به الحال في السجن، وذلك بعد أن راودته عن نفسه وقد استعصم عن فعل الفاحشة، فرمت عليه تهمة مراودته لها وكان جزاؤه السجن.

وقد واصل دعوته في السجن بحسن معاملة المسجونين والإهتمام بهم، وكان من بينهم اثنان فسر لهما رؤياهما فكان أن انتهى بالأول بأن رجع إلى القصر خادما حيث كان قبل دخوله السجن، وأما الآخر فقد قتل تماما كما فسرت له رؤيته بالمنام، وكان الأول سببا في خروج سيدنا يوسف عليه السلام ولو متأخرا فقد نسيه بعدما أوصاه أن يذكره عند الملك، لكن حدث أن كان الملك يرى رؤيا تفزعه كل ليلة، وكان يبحث عمن يفسرها له، فتذكر ذاك الخادم سيدنا يوسف فاستدعاه وقص عليه بالمناسبة سبب سجنه، فكان أن برأه وأخرجه من السجن ووضعه وزيرا في مملكته.

لقد استغل سيدنا يوسف منصبه لاخراج مصر من الفاقة والمجاعة التي تهددها، وقد خصصت لها بضع آيات وبقيتها في ذكر كيف اجتمع بإخوته وكاد لهم إلى أن أتوه بأبويه واجتمعت العائلة مكتملة.

إن مشهد اجتماع سيدنا يوسف بأبويه واخوته هو تفسير المشهد الأول من الرؤيا التي رآها وهو طفل صغير، فكانت نعم الخاتمة ونعم النعيم ووقعها كان أكبر على سيدنا يعقوب عليه السلام على كبر سنه.

1️⃣ أهمية القصة عند المحن:

فقد نزلت سورة يوسف بعد سورة هود، بين عام الحزن الذي توفي فيه سندي النبي صلى الله عليه وسلم، عمه أبو طالب وزوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وبين بيعة العقبة الأولى والثانية التي مثلت انفراجا للدعوة الإسلامية بفتح آفاق جديدة لانتشارها وتقويتها، فكانت هاته القصص بلسما وأنيسا وشفاء نفسيا نفيسا للنبي وصحبه رضوان الله عليهم في تلك المرحلة الحرجة.

2️⃣ الحياة الدنيا محطات:

فقد مر سيدنا يوسف بعدة محطات، في كل منها منعطفات كبيرة بين الخير والشر، لكن الثابت في سيرته هو القيم الصادقة، ففي كل منها تحلى بالصدق والصبر و الحلم والأناة.

3️⃣ تعدد أنواع الإبتلاءات:

إن الإبتلاءات والإمتحانات لا تكون دائما بالشر، وإنما قد تكون بالخير أيضا، أو ما يسمى بالإغراءات، فالثابت على قيمه قد يجد ما يثنيه طمعا أو دفعا.

4️⃣ علاج الحسد عند الأبناء:

إن وصية سيدنا يعقوب لابنه يوسف بعدم قص الرؤية لإخوته من حسن وصلاح التربية والعدل بين الأبناء لابعاد الحسد بينهم وعدم تفريقهم وتمتين أخوتهم.

5️⃣ بزوغ الشخصية من الصغر:

إن التربية النبوية التي حضي بها سيدنا يوسف عليه السلام أكثر ما أثر في شخصيته وتنشئته بعد الإصطفاء الرباني، ورغم أن تلك الفترة لم تدم طويلا قبل أن يرميه إخوته في الجب إلا أنها أثرت عليه طيلة مسيرته بمختلف مراحلها.

6️⃣ الواقعية ليس مسوغ للتنازل عن المبادئ:

إن سيدنا يوسف عليه السلام وقد مر على مختلف الإبتلاءات والإغراءات بالخير والشر لم يثنيه على الثبات على الحق فلا عذر لمن ابتلي في دنياه أن يتنازل بشيء عن دينه ولا سيما بحجة الأمر الواقع.

7️⃣ بزوغ الحق ولو بعد حين:

إن كل ما كيد على سيدنا يوسف قد ظهر جليا للعيان رغم تغير الأمكنة والأزمنة والظروف فإن الحق بازغ لا محالة، وإن لم لم يكن في الدنيا ففي الآخرة.

8️⃣ البعد الفني النظيف للقصة:

إن تصوير مختلف مشاهد الحياة العامة في القرآن الكريم بما في ذلك مشاهد مراودة امرأة العزيز لسيدنا يوسف لنموذج للتصوير الفني القصصي الملتزم ولا حجة لكل من يعتقد أنه لا فن دون فحش والعياذ بالله 

9️⃣ أسباب التمكين في القرآن الكريم:

يوضح لنا القرآن الكريم نموذج للشخصية الممكنة في الأرض بصنع رباني على عينه عز وجل، فقد مر بعدة امتحانات وابتلاءات وقد نجح فيها بصبره وثباته وحلمه، وقد آتاه الله علما وحكما، فمكنه الله في أرضه.

🔟 شمولية المنهج الإسلامي:

فهاته القصة تجسد أحد أهم خصائص شريعتنا الغراء بحيث نجد فيها ما يهتم بجميع مناحي الحياة من الجانب النفسي للأطفال، إلى الجانب التربوي والروحي، ثم التجاري والسياسي والإقتصادي، وأخيرا الجانب الإجتماعي، فالإسلام يتميز بالشمولية لكل جوانب الحياة الدنيا والآخرة.