في القرآن الكريم جمالٌ لا محدود، تتجلى معانيه الخفية لمن يملك خيال الفنان وعشق الجمال، جمال يتجاوز الصور المباشرة ليصل إلى أعماق الفكر والروح. ومن بين تجليات هذا الجمال، ذكر الملائكة في مواضع عديدة، لا بوصفهم مجرد كائنات غيبية، بل كجزء من نظام كوني متكامل، يمثل النقاء والجمال والانضباط.
إن الإيمان بالملائكة ليس مجرد تصديق بوجود كائنات نورانية تعيش في عالم الغيب، بل هو استيعاب لحقيقة جمالية كبرى، حقيقة أن الكون يعجّ بالكائنات التي تتماهى مع النور والطهر والجمال، وأن هذه القيم ليست مجرد مثاليات مجردة، بل هي مكونات أصيلة في (النظام الكوني). حين جعل الله الإيمان بالملائكة ركناً يسبق الإيمان بالكتب والرسل والقدر والآخرة لحكمة..
حكمة تُرسّخ فكرة أن الإنسان لا يستطيع إدراك الرسالة ولا استيعاب الغاية إلا إذا أدرك أولاً أن الوجود مبني على قيم النقاء والجمال والانضباط، التي تمثلها الملائكة.
لكن إذا كانت الملائكة هي انعكاس للنظام الإلهي في صفائه المطلق، فكيف يتعايش الإنسان معها في عالم امتلأ بالفوضى والقبح؟ كيف تتنزل الملائكة على أماكن هجرت النور واختارت أن تسكن الظلام؟
المدينة القبيحة ليست فقط مكان تتكدس فيه القمامة في الشوارع أو تكثر فيه العشوائيات، بل هي رمز لخلل أعمق، لاضطراب في علاقة الإنسان بالجمال الحسي والمعنوي و بهذا النظام.
والجمال ليس حالة ترف، بل هو قانون كوني، وأي مكان ينفتح على الجمال الحسي والمعنوي يتهيأ لاستقبال النور.
و الجمال انعكاس للانسجام بين الظاهر والباطن، بين الشكل والمضمون. إنه يجمع بين نظافة المكان ونقاء السريرة، بين عمران المدن ورُقيّ القيم، بين الأناقة الخارجية والروح المشعة بالخير والسكينة..
حين يتأمل الإنسان في طبيعة الملائكة، فإنه لا يكتفي بالإيمان بفكرة وجودهم، بل يسأل نفسه: هل حياتي بيئة صالحة لنزول النور؟ هل أنا جدير بأن تسكنني الكائنات النورانية، أم أنني طردتها بقسوتي وفوضاي واستهانتي بالجمال؟ هل بيتي، شارعي، مدينتي، مهيأة لاستقبال النور، أم أنها موحشة لا تعرف إلا القبح؟
وبذلك يكون الإيمان بالملائكة ليس مجرد ذكر باللسان، بل هو مقياس لمعرفة مدى استعدادنا للحياة في فضاء النور، وامتحان لنا: هل نحن في الجانب الذي يستقبل الملائكة أم في الجانب الذي تنفر منه؟
✍🏻 ريم سويد