استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الاستعداد للقرآن.. من إدراك الحروف إلى استقبال النور..


يشعر القارىء لكتاب الله أنه في كل مرة يحتاج إلى الاستعداد بشكل غير عادي.. يتهيأ لاستقبال النور، يستدعي العقل والقلب معًا، إذ لا يكفي أن يقرأ، بل يجب أن يتأهب لما وراء القراءة، لما يكشفه القرآن لمن أعدّ نفسه حق الإعداد.

فهناك (الاستعداد العقلي) الذي يتشكل وفق مراتب الإنسان في العلم والمعرفة؛ فالعالِم كلما اتسعت رؤيته في مجاله، وجد في القرآن إضاءات تكشف له أفقًا أوسع، ورأى في كلماته معجزة توازي طبيعة علمه، كأنما يخاطبه القرآن في ذاته، في منطقه، في قواعده. فيجده لا يقف عند حدود الفهم العقلي وحده، بل يمنحه سقفًا أخلاقيًا يرشده، يحميه من السقوط في التيه، ويضعه أمام مسؤولية المعرفة التي يحملها.

وهناك (الاستعداد النفسي)، وربما هو الأعمق أثرًا، لأن القارئ لا يدخل على هذا الكتاب كمن يدخل على أي نص، بل يدخل عليه وهو يستشعر أنه أمام كلام الله، أمام خطابٍ يتجاوز حدود الزمان والمكان، خطابٍ لا يدركه إلا من جرد نفسه من الكِبر، وأسلم قلبه للحق، واستعد أن يهتز، أن يتغير، أن يُعصف بكيانه. فكل حرف يقرؤه ليس مجرد معلومة، بل رسالة، وكل آية ليست فقط معنى، بل روح تسري في روحه.

ومع كل ذلك الاستعداد، تتجدد تلك الرهبة العميقة في كل مرة، رهبة أن يكون الإنسان أمام كلمات أنزلها الخالق الرحيم: كيف أتهيأ لمثل هذا اللقاء؟ كيف أقرأ وأنا أعلم أن هذه الكلمات ليست مجرد أفكار، بل هي كلام الله؟ كيف أتعامل مع هذا الكتاب الذي لابد يحوي من الأسرار ما لا ينفد، ومن المعاني ما لا يُحاط به، ومن النور ما لا يمكن للعين أن تستوعبه دفعة واحدة؟

و كلما دخل الإنسان إلى القرآن بهذه الرهبة، بهذا الاستعداد، ازداد انتفاعه به، لأن القرآن لا يُعطي معانيه إلا لمن أقبل عليه بتواضع، ولا يفتح خزائنه إلا لمن قرأه بروحٍ مستعدةٍ لأن تُضيء، لأن تتغير، لأن تُحمل إلى آفاقٍ جديدة. حينها، لا يكون مجرد قراءة، بل رحلة، انكشاف، لقاء بين الإنسان والكلام الذي أنزله الله رحمةً وهدًى، ليصبح نورًا في عقله، وحياةً في قلبه.



✍🏻 ريم سويد

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.