استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الاستقراء والاستنباط: أيهما سبب التخلف؟


في كتابه من الصحوه إلى اليقظة، يناقش الدكتور جاسم سلطان فكرة أن هيمنة المنهج الاستنباطي على المنهج الاستقرائي قد تكون أحد أسباب التخلف في العالم الإسلامي. لكن هل المشكلة في الاستنباط نفسه، أم في الطريقة التي تم استخدامه بها؟ وهل كان غياب الاستقراء هو العائق الحقيقي أمام النهضة؟

الفرق بين الاستقراء والاستنباط

• الاستنباط: هو الانتقال من القاعدة العامة إلى الحكم على الحالات الخاصة. على سبيل المثال، إذا كان لدينا قاعدة شرعية أو فلسفية عامة، نستخدمها لاستنتاج أحكام لمسائل لم تكن معروفة من قبل.
• الاستقراء: هو دراسة الجزئيات والواقع ثم استخراج القوانين العامة منها. أي أنه يبدأ من الملاحظة والتجربة ليصل إلى القاعدة، وهو المنهج الذي يقوم عليه العلم الحديث.
في التاريخ الإسلامي، كان هناك توازن بين المنهجين، حيث اعتمد العلماء المسلمون الأوائل على الاستقراء في العلوم الطبيعية والتجريبية، والاستنباط في الفقه والعلوم الشرعية. لكن مع مرور الوقت، ضعف المنهج الاستقرائي، وأصبح التفكير يعتمد بشكل كبير على الاستنباط من النصوص دون قراءة الواقع بشكل عميق.

هل المشكلة في الاستنباط نفسه؟

الاستنباط منهج ضروري في العلوم الشرعية، وهو الأساس في الاجتهاد الفقهي واستنباط الأحكام من القرآن والسنة. لكن المشكلة ليست في المنهج نفسه، بل في طريقة استخدامه:
• انفصال الاستنباط عن الواقع
• في العصور الذهبية للإسلام، كان العلماء يدمجون بين الاستقراء العلمي والاستنباط الشرعي. كانوا يدرسون الواقع أولًا ثم يستنبطون منه الأحكام المناسبة.
• أما في الفترات المتأخرة، أصبح الاستنباط أحيانًا منفصلًا عن الواقع، حيث يتم التركيز على دراسة النصوص فقط دون مراعاة تغيرات العصر، مما أدى إلى جمود فكري.
• عدم تطوير قواعد الاستنباط
• في العصور الأولى، كان الاجتهاد الفقهي مرنًا ومتطورًا، لكن لاحقًا تم غلق باب الاجتهاد في بعض الفترات، مما أدى إلى الجمود الفقهي.
• بعض المستنبطين اعتمدوا على التقليد بدلًا من التجديد، مما جعل الفكر الإسلامي لا يواكب التطورات الحديثة.
• إهمال العلوم الطبيعية والتجريبية
• العالم الإسلامي كان في الماضي قائدًا في العلوم التجريبية، بفضل علماء مثل ابن الهيثم والخوارزمي والرازي، الذين اعتمدوا على الاستقراء والملاحظة.
• عندما بدأ التركيز على الاستنباط النظري دون التجربة، تراجعت العلوم التطبيقية، وحدثت القطيعة بين الفكر الإسلامي والتقدم العلمي.
هل غياب الاستقراء هو سبب التخلف؟
عندما ننظر إلى النهضة الأوروبية، نجد أنها قامت على إحياء المنهج الاستقرائي، حيث اعتمد العلماء على التجربة والملاحظة بدلاً من الفلسفة المجردة. على العكس، في العالم الإسلامي، بدأ الاهتمام بالاستقراء العلمي يتراجع، وحل محله التفسير النظري والاستنباطي الذي لم يكن مرتبطًا دائمًا بالواقع.
لكن هذا لا يعني أن الاستنباط هو المشكلة، بل المشكلة في عدم تحقيق التوازن بين الاستنباط والاستقراء. فلو استمر العلماء المسلمون في تطوير المناهج التجريبية بالتوازي مع الاجتهاد الفقهي، لما وقع هذا الانفصال بين الفكر والواقع.

كيف نعيد التوازن بين المنهجين؟

• دمج الاستقراء والاستنباط
• يجب أن يعود الفكر الإسلامي إلى دمج دراسة الواقع (الاستقراء) مع فهم النصوص (الاستنباط)، بحيث يكون هناك اجتهاد فقهي وعلمي متجدد يراعي تطورات العصر.
• إحياء العلوم الطبيعية والتجريبية
• النهضة لا تتحقق بدون تطوير العلوم التطبيقية. الإسلام نفسه يحث على البحث والتدبر، وبالتالي لا يوجد تعارض بين التجربة العلمية والتأمل في النصوص الدينية.
• تطوير قواعد الاجتهاد والاستنباط
• يجب أن يكون الاجتهاد الفقهي متجددًا ومرنًا بحيث يستطيع التعامل مع المتغيرات، بدلًا من الاعتماد فقط على القواعد القديمة دون النظر إلى المستجدات.

الخاتمة

القول بأن الاستنباط هو سبب التخلف ليس دقيقًا، لأن الاستنباط كان أساس النهضة الفقهية والعلمية في الإسلام. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في إهمال الاستقراء والتجربة العلمية، والاعتماد على الاستنباط الجامد دون قراءة الواقع. النهضة الحديثة تحتاج إلى موازنة بين المنهجين، بحيث يكون هناك تجديد فكري وفقهي يستند إلى العلم الحديث والواقع المتغير، دون أن يفقد الهوية الإسلامية.
بالتالي، "التقدم لا يكون بإلغاء الاستنباط، بل بتطويره وإعادة ربطه بالاستقراء والواقع".



د.سامر الجنيدي _القدس

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.