استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الابتلاء والإيمان: فهم أعمق لمعادلة الحياة


منذ الصغر، تعلمنا أن الأنبياء أشد الناس ابتلاءً، وأن الابتلاء يكون على قدر الإيمان، فوقع في أذهان بعضنا أن تقليل الإيمان قد يؤدي إلى تقليل الابتلاء. لكن هذه الفكرة، وإن بدت منطقية للبعض، إلا أنها فهم قاصر لمفهوم الابتلاء في الإسلام. فالابتلاء ليس عقوبة، وليس دائماً شراً، بل هو سنة كونية تشمل الخير والشر، ووسيلة لاختبار العبد ورفع درجته.
الابتلاء: ليس شراً محضاً
الابتلاء يأتي على صورتين:
• ابتلاء بالمحن والمصائب: كالمرض، والفقر، والظلم، وغيرها.
• ابتلاء بالنعم والرخاء: كالسلطة، والمال، والصحة، والأولاد.
يقول الله تعالى:
"وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" (الأنبياء: 35).
إذن، الابتلاء ليس دوماً بالمصائب، بل قد يكون بالخير أيضًا، حيث يُختبر الإنسان في كيفية تصرفه عند الرخاء.
الابتلاء ليس على قدر الإيمان فقط
المشهور في الحديث:
"أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُلي على قدر دينه" (رواه الترمذي).
لكن هذا لا يعني أن من قلّ إيمانه قلّ بلاؤه بشكل مطلق، لأن الله يبتلي لحكمة وليس وفق قاعدة حسابية بسيطة. فقد يُبتلى ضعيف الإيمان لعقوبة أو تطهير، بينما قد يُعافى قوي الإيمان لأنه أدى دوره كما أراد الله.
أبو بكر الصديق: ابتلاءام تكليف ام تكريم
إذا نظرنا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه،  حكم ثلث الأرض وكان أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم. لكن بالتدقيق نجد أنه تعرض لامور عظيمة، منها:
• الصحبة: كونك أقرب الناس للنبي يعني أنك أكثر عرضة للخطر، فقد كان مهددًا بالقتل كما في حادثة الهجرة.لكنها كرامه ودرجه لم يصل اليه احد ثاني اثنين
• المسؤولية: تولى الخلافة في أخطر مرحلة بعد وفاة النبي، حيث واجه الردة والفتن الكبرى.وكان له الفضل في استمرار الدعوه
•  الفقد: مات النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه، وهو أصعب ما يمكن أن يمر به إنسان.
• المال: كان من أكثر الصحابة إنفاقًا في سبيل الله، حتى أنه جاد بماله كله في أكثر من موقف.
المقارنة بين الصحابة في الابتلاءات
• عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابتُلي بالحكم العادل والخلافة، ثم ختم حياته بالاستشهاد.
• عثمان بن عفان ابتُلي بالغنى والإنفاق حتى اتُهم بالفساد، ثم استُشهد مظلومًا.
• علي بن أبي طالب ابتُلي بالفتن والاقتتال الداخلي بين المسلمين.
كل واحد منهم مر بابتلاءات تناسب قدره ومكانته، مما يؤكد أن الابتلاء ليس شراً محضًا، وليس على نمط واحد.
إعادة التفكير في الابتلاء
إذا كان الابتلاء تكليفاً لا عقوبة، فهو ليس خياراً نتحكم فيه. فالتفكير في تقليل الإيمان لتخفيف الابتلاء ليس تفكيرًا صحيحًا، لأن الابتلاء قادم سواء قلّ الإيمان أم زاد، لكن الفارق أن المؤمن القوي يصبر ويحتسب، فيزداد رفعته، بينما الضعيف قد يسقط عند أول اختبار.
كيف نواجه الابتلاء؟
• بالصبر: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرًا له." (رواه مسلم).
• بالتفكر: لماذا يبتليني الله؟ هل هو اختبار؟ تطهير؟ رفع درجات؟
• بالتوازن: عدم طلب الابتلاء، ولكن عدم الخوف منه إن وقع، لأن الله لا يظلم عباده.
الخاتمة
الابتلاء سنة كونية تشمل الجميع، وليس مرتبطًا بزيادة الإيمان أو نقصانه فقط. ليس كل من كان قوي الإيمان سيبتلى بالمصائب، وليس كل من كان ضعيف الإيمان سينجو منها. بل لكل إنسان نصيبه من الاختبار، سواء في الخير أو الشر. والفائز هو من يفهم هذه القاعدة جيدًا، فيرضى بقدره ويجتهد في الصبر أو الشكر، حسب ما اختاره الله له.



د.سامر الجنيدي - القدس


تعليق من الاستاذ محمد بن عزة:

سلمت ووفقت  دكتور سامر
موضوع مهم ، يصنف في  مجال : تصحيح المفاهيم
وقد يؤدي سوء الفهم والإستنتاج "المنطقي السطحي" فعلا  الى التملص من الإيمان لدفع الإبتلاء !!
ولكن هذا الفهم، كما تأكد من مقالكم، سيكون هروبا خاطئا من المسؤولية الى العقوبة!!
إذ التملص المتعمد من الإيمان نقص في التدين..مع مغالطة !! 
ولو اعتمدها معظم الناس إذن لصرنا الى تهرب جماعي من مقتضيات الإيمان!! إيثارا  للسلامة بزعمهم!!
ولكن التملص الجماعي هذا بناء على هذا الفهم السقيم، سيؤدي الى نقص جماعي في مقتضيات الإيمان في المجتمع!!!
#والنتيجة !!
عوض أن يلتقوا  بالسلامة من ابتلاءات فردية كانت فرصا للنجاح ، سيلتقون بالتخلف والضعف الحضاري !!
لم؟!
لأن مقتضيات الإيمان التي تملصوا منها لا تنفك عن  مكارم الأخلاق!!
ومكارم الأخلاق  هي ما كانت الإبتلاءات الربانية تجذبهم إليه
لأنه ما من امرئ زعم الإيمان إلا ويحتاج معه الى برهان تعهد ومصداق
وهذا لا يحصل إلا بالنجاح في امتحانات مكارم الأخلاق  من صدق وثقة وتواضع وسخاء 
ثم من حسن تواصل، وحسن ظن ، ونصرة مظلوم ، وميل للعدالة ،
وكره للظلم...
وبالله عليكم، لو  تعاونوا  خلال مرحلة هذه الإمتحانات/الإبتلاءات على أن يرفع بعضهم كربة بعض، ويساهم بعضهم في فك عزلة أو عقدة بعض، هل سيتطلب ذلك تملصا ؟! أو اضطرارا جماعيا  لاستبدال الإيمان بالسلامة !!؟؟
#إذن تأتينا المفاهيم المغلوطة من تفككات سابقة أنتجت أفكارا خاطئة ، بل قاتلة
شكرا دكتور ، لقد فتحتم  بمقالكم هذا ملفا شائكا وحاسما في تدبير  النهوض 

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.