استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

من أسرار الترتيب القصصي في القرآن الكريم


كنتُ حينما أقرأ سورة الكهف يقرع باب فكري تساؤل: لماذا رتبت وقائع قصة الخضر مع موسى على ذلك النحو؟ 
ذلك أنني حينما قرأتها لأول مرة -في صغري- فكرت بأنني لو أردت كتابة قصة مشابهة لجعلت مقتل الفتى وسره هو آخر الأحداث الثلاثة لأنها أكثرها تشويقاً؛ إذ أنه من العسير جداً أن تجد مسوغاً أخلاقياً وشرعياً لقتل فتىً صغير، ولم أفهم سر جعل الجدار أخيراً، إذ أن أجمل ما في الأحداث أواخرها، والدم هو من أقدس الأشياء وحينما ينتهك فإن القصة وصلت إلى الذروة!
وبقي التساؤل بلا مجيب لأعوام، وكلما قرأتها تذكرت بأنني فكرت لو أشقلب بين ترتيب القصتين، وهنا أنا أسلّم بأن عقلي قصُر عن إدراك الحكمة الإلاهية في ذلك، ولا أقول بأن استدلالي آتي الذكر حتمي، إلا أنه أسكت ذلك السؤال على الأقل.
أما الشيء الذي أوصلني إلى تفسيرٍ اقتنعت به أخيراً هو في قصة جزيرة الكنز، وتلك الأغنية الدموية التي تحفز القراصنة للسعي في أعمالهم: "خمسة عشر رجلاً ماتوا من أجل صندوق"، يترنمون بها دائماً، وربطت فوراً بأن العبرة فيما تحت الجدار وهو الكنز، والكنز مقدم في عرف البشر دائماً على الدم، ولهذا من المنطقي جداً أن يموت القراصنة الخمسة عشر لأجل صندوق، وأن تبذل أرواح في سبيل اكتسابه، على أن التنكير ها هنا له دلالة واضحة وهو للتقليل وأن الصندوق مهما عظم فما هو بمستحق!
وهنا استنبطتُ بأن في هذه المعادلة عرفان اثنان، عرف إلاهي، وعرف بشري، وفي عرف الله الدم يقدم على المال ولهذا من يقتل مؤمناً متعمداً فكأنما قتل الناس جميعاً، بينما سارق المال تقطع يده أو تقطع أطرافه من خلاف إذا كان قاطع طريق. 
وأما في عرف البشر فالمال مقدم على النفس ولهذا يقدم القرآن المال على البنين حينما تدرج النعم التي أنعمها على الإنسان. والتاريخ لا يزال يسطر بيديه دماء ودماء في سبيل صندوق مهما بقيت مستحوذاً عليه فسيأتي وقت تسلمه لغيرك شئت أم أبيت.
وقد كان ينتابني تساؤل آخر وهو أنه كيف من الجائز قتل الفتى وإن كان سيرهق أبويه طغياناً وكفراً، لماذا لا نقتله حينما سيفعل، أما أن نقتله وهو فتىً بريء صغير لم يفعل شيئاً أوليس من المستغرب ذلك؟ والحقيقة هي بأننا قد لا نستطيع قتله حينما يرهق أبويه طغياناً وكفراً، ذلك أنه قد يقود ثله من القتله وقد يُؤَمِّر نفسه عليهم، وقد يبُذل في سبيل قتله والتحرر منه دماء ودماء، فإذن قتله وهو فتىً أرحم له ولأبويه وللبشرية جمعاء. 
على أنه هذه مجرد تأملات شخصية..

كتابة: شفاء سمان

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.