استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

العطاء الذي لا ينضب: بين إطعام الجسد وإنارة العقل


الخير ليس مجرد فعل مادي نلمسه ونراه، بل هو قيمة عميقة تتجلى بأشكال مختلفة، منها ما هو ظاهر للعيان، ومنها ما يعمل في الخفاء بصمت، لكنه يترك أثرًا لا يُمحى. اعتاد الناس أن يروا الخير في سدّ الجوع، وشفاء المرض، وإيواء المحتاج، فارتبط لديهم العطاء بالمادة والمحسوس، لكن هل يمكن أن يكون هناك عطاء أعمق؟ هل يمكن أن يكون هناك جوع أشدّ من جوع الجسد، ومرض أخطر من مرض البدن؟

إن أعظم احتياجات الإنسان ليست مادية فحسب، بل فكرية ونفسية وروحية. هناك فقر لا يُرى بالعين لكنه ينهش العقول، وهناك تيهٌ لا يُقاس بالجغرافيا لكنه يُضلّ النفوس، وهناك حاجة إلى نورٍ يهدي العقول كما يحتاج الجسد إلى غذائه ودفئه. ومع ذلك، لا يزال كثير من الناس يغفلون عن بابٍ عظيم من أبواب الخير، باب الفكر والعلم والقيم، رغم أنه الأصل الذي تقوم عليه نهضة الإنسان والمجتمعات.

لقد رفع الله تعالى شأن العلم والفكر في كتابه العزيز، وجعل الهداية الحقيقية في نور المعرفة، فقال سبحانه:

﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11)، فالعلم ليس مجرد ترف، بل هو سبب لرفعة الإنسان في الدنيا والآخرة.

كما بيَّن الله أن الجهل والضلال من أعظم المصائب التي تصيب الإنسان، فقال:

﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ (الإسراء: 72)، فالعمى الحقيقي ليس عمى البصر، بل عمى البصيرة، وهو الفقر الأشد والأخطر.

وقد جعل الله تعالى العلم والهداية أعظم نعمة يمنّ بها على عباده، فقال:

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ (البقرة: 257)، فهذا هو العطاء الأعظم، أن يُنتشل الإنسان من ظلمات الجهل والتيه إلى نور الحق والفكر السليم.

تدرك أمتنا جيدًا معنى الخير في صور كثيرة، ويُعدُّ التكافل بابًا عظيمًا يربط الإنسان بمجتمعه، حيث تمتد يد العون للمحتاج والمريض، وتتجسد مشاعر الأخوة في أبهى صورها. لكن هناك أبوابًا من الخير لا يُلتفت إليها كثيرًا، رغم عظيم أثرها، ومنها باب العلم والفكر والقيم والأخلاق.

كم من مساهمات مجتمعية وفردية تدرك هذه القيمة العظيمة، قيمة البناء العقلي والنفسي والروحي! ومع ذلك، لا يزال الكثيرون ينظرون إلى هذه الأعمال بوصفها رفاهية لا تحتاج إلى الهمة والعون والدعم، رغم أنها الأساس الذي ينهض به الإنسان، لا بجسده فحسب، بل بفكره وروحه.

إن إطعام الجائع وإنقاذ المريض عملٌ عظيم، لكن إنقاذ العقول من الضياع، وتحرير النفوس من التيه، وزرع القيم في القلوب، هو من أعظم وجوه الخير، لأن أثره لا يتوقف عند لحظة عابرة، بل يمتد ليصنع إنسانًا قادرًا على العطاء بنفسه. إن بناء الإنسان فكرًا وأخلاقًا هو صدقة جارية لا تنضب، وعملٌ عظيم لا يقل شأنًا عن أي باب من أبواب الإحسان الأخرى، بل لعله الأساس الذي تستقيم به حياة الأفراد والمجتمعات.




✍🏻 ريم سويد

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.