في رمضان، نجد أنفسنا أمام تحديات كثيرة، لا سيما فيما يتعلق بإدارة شهواتنا. فهل نستطيع أن نتحكم في شهواتنا، أم أننا نتركها تتحكم فينا؟
*فلسفة الصيام في إدارة الشهوات*
يرى أفلاطون أن بين الإنسان والفضيلة هو التحكم في الشهوات. فهو يرى أن الأخلاق هي الابتعاد عن الشهوات والغرائز، يعني إدارتها بشكل صحيح.
فالإنسان جُبل على غرائز معينة، كغريزة الأكل والشراب وغيرهما مما تقوم عليه حياته وبقائه، وهذه الغرائز قد يشترك معه فيها كثير من المخلوقات الأخرى، وقد جُبلنا عليها وفُطرنا عليها، لا سبيل لكبتها ومنعها، ولكن لابد وان نتعلم كيف نرشدها وفق منهج القرآن.
ولكن الشهوات، والتي عليها مدار تعبدنا لله، وبها يكون الاختبار والابتلاء فأن التحكم فيها هو موضع تعبدنا لله، فالشهوات كأنها الشكل التطبيقي للغريزة.
*رمضان: دروة تدريبية لادارة الشهوات*
من هنا نجد أن الله جعل رمضان دروة تدريبية لإدارة الشهوات، فشرع فيه الصيام والقيام، وفي الحديث عند البخاري عن أبي هريرة: "يدع شهوته وطعامه من أجلي".
إنها تربية للتحكم في الشهوات بكل أنواعها، بل تدريب عن ضبط الغرائز التي جبلنا الله عليها.
*أنواع الشهوات وطرق ضبطها في رمضان*
رمضان يرقى بنا في عالم المثالية فنحن نرى الشهوات التي احلها الله لنا فمتنع عنها رغبة منا واختيارا لا مكرهين فنترقى الى سلم المثالية.
فنحن في رمضان نقول لمن سبنا أو شتمنا: "إني امرؤ صائم". وهذه شهوة مستعرة في النفس، فربما استُفزت مشاعرك وثارت اعصابك لتصرُّف أحدهم فيبلغ منك من الشهوة في الانتقام والانتصار على الآخر ما يجعلك تفقد اعصابك، حينها يقول لك الصوم تذكر أنك في دورة تتعلم فيها ضبط شهواتك، فتتركه لله، فتنتصر مرتين: مرة حين تركت الانتقام، ومرة حين جعلت جزاء ذلك لله.
*رمضان: تحويل النظرية الى تطبيق وتهذيبٌ للشهوات*
قد يصوم المسلم في غير رمضان ويشعر بشعور مثالي، وربما ارتقت روحه في سلم المثالية. لكن رمضان دورة مكثفة ومستمرة لثلاثون يوما، يشعر فيه بانضباطه مع المجتمع ككل.
فيكون المجتمع كله بصورة مشرقة مثالية، تهدأ فيه النفوس، ويتراحم الناس، وينفقون الأموال. بل وجُعلت زكاة الفطر أيضا طهرة للنفس ، يقتسم فيه المسلم طعامه مع أخيه المسلم، ويتشارك المال، فيشعرون بوحدة المصير، ووحدة الارتقاء.
ويشعر فيه المسلم بأنه ليس وحيدا غريبا، بل هناك مجتمع يتقاسمه الأفراح والأتراح ، وهذه لا تجدها إلا في مجتمع الإسلام، مثالية مجتمعية، تدريب جماعي، عالمي، وحدة عالمية.
يستطيع من خلالها المسلمون أن يوجدوا هذا المجتمع المثالي الذي يقدر على ضبط شهواته الفردية والاجتماعية. فيخفت صوت الانتقام، وتبرز اللحمة المجتمعية، وتغيب الأنا في وحدة المجتمع والإيثار.
وتنضبط حتى شهوات المؤسسات في الرغبة بالافساد في الأرض، فعلى سبيل المثال، تسمو شهوة الإعلام إلى الحد النافع، وتسمو شهوة الظلم باقامة العدل... الخ
فيا تُرى، هل يمكن أن نتعلم من رمضان هذه الدروس؟ خاصة ونحن نطبقها واقعا، لكن عمقها وأبعادها الاجتماعية والنفسية لا يزال بيننا وبينها حواجز وقيود من الجهل وفصل الخطاب.والله المستعان
**اللهم فقهنا وعلمنا ما ينفعنا
🖋️هائل