استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

تنبيهات شهر الصوم (دعوة للانتباه والانتماء)

في غمرة الحياة المتسارعة والانشغالات المستمرة، نعيش حالة من الغفلة تفقدنا الإحساس بكثير من القيم والمعاني، ومن أهمها شعور الانتماء. يأتي شهر رمضان المبارك كمحطة سنوية للتوقف والتأمل، محطة للتنبيه وإعادة الاكتشاف، محطة لإيقاظ الوعي وتجديد الانتماء. في هذا المقال نستعرض أهم التنبيهات التي يقدمها لنا هذا الشهر الكريم.

 التنبيه إلى الجسد والذات

الصوم في جوهره ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تنبيه عميق إلى وجود الجسد واحتياجاته. فالجوع لا يذكرنا فقط بالفقراء والمحتاجين، بل يشعرنا بأن هناك جسداً يحملنا يحتاج إلى رعاية وتفقد. في خضم انشغالاتنا اليومية، ننسى هذا الجسد الذي يخدمنا بصمت، ننسى أن نشكره وأن نعتني به، فيأتي رمضان ليعيدنا إلى هذه الحقيقة البسيطة والعميقة معاً.

 التنبيه إلى ضبط الجوارح

يذكرنا الصوم بقدرتنا على توجيه جوارحنا والتحكم فيها. فكما نضبط المعدة عن الطعام والشراب، نستطيع أن نضبط اللسان عن الكلام السيئ، والعين عن النظر المحرم، والأذن عن سماع ما لا يرضي الله. وصدق رسولنا الكريم حين قال: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".

في رمضان، نتدرب على هذا الضبط الشامل، فنكتشف أننا لسنا عبيداً لرغباتنا وشهواتنا، بل نحن من يملك زمام توجيهها. وهذا التدريب الروحي والنفسي يعيد ترتيب العلاقة بين الروح والجسد، فتصبح الروح هي القائدة، والجسد هو المنقاد.

التنبيه إلى الانتماء الأسري

عندما نحرص على الإفطار مع أسرنا، واجتماع العائلة على مائدة واحدة، فإن رمضان ينبهنا إلى قيمة الانتماء إلى الأسرة والرحم. تلك اللحظات التي نتشارك فيها الطعام والحديث والدعاء، تعزز الروابط العائلية التي قد تضعف في غمرة المشاغل اليومية.

وتأتي أهمية هذا التنبيه في زمن تتعرض فيه الأسرة لمحاولات التفكيك من أعداء يتربصون بهذه اللبنة الأساسية في المجتمع. فيكون رمضان بمثابة إعادة بناء وتقوية لهذا الانتماء الأسري الذي هو أساس بناء المجتمع السليم.

 التنبيه إلى جمال الكون وإيقاعاته

في انتظارنا لآذان الفجر للإمساك، وترقبنا لآذان المغرب للإفطار، نعيش لحظات فريدة من الوعي بالزمن وإيقاعات الكون. تلك الدقائق من الانتظار تجعلنا نتأمل في تعاقب الليل والنهار، وتلك الفواصل الزمنية الدقيقة التي خلقها الله بميزان محكم.

في هذه اللحظات، نعيد اكتشاف علاقتنا بالكون من حولنا، ونشعر بانتمائنا إلى هذا العالم الطبيعي الذي سخره الله لنا. نتذكر قول رسولنا الكريم عن جبل أحد: "هذا جبل يحبنا ونحبه"، فندرك أن الجبال والأنهار والسماء ليست مجرد مشاهد جامدة، بل هي كائنات تشاركنا الوجود وتسبح بحمد الله.

 التنبيه إلى القرآن كدستور للحياة

من أعظم تنبيهات رمضان هو إعادة الصلة بالقرآن الكريم، ذلك الكتاب الذي أنزله الله في هذا الشهر المبارك. في رمضان، تتجدد علاقتنا بالقرآن قراءةً وتدبراً وعملاً، فنكتشف من جديد أنه مرتكز سعادة الدارين ودستور حياتنا الذي يهدينا لما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة.

القرآن الكريم، الذي كان له أثر عظيم على رسولنا الكريم حتى كان "كالريح المرسلة" عندما يدارسه جبريل، يمنح قارئه طاقة روحية متجددة، ويحرك في النفس معاني الخير والصلاح والعطاء.

 التنبيه إلى الصلاة كمعراج يومي

تزداد الصلوات في رمضان بالتراويح والقيام، فتتضاعف فرص هذا العروج الروحي الذي تمثله الصلاة. وكأن الله أراد بتجديد صلتنا بالصلاة في رمضان أن يعيد ضبط بوصلة حياتنا نحو ما خلقنا لأجله: عبادته وعمارة الأرض وفق منهجه.

التنبيه إلى الانتماء للأمة الإسلامية

يذكرنا رمضان بانتمائنا لهذه الأمة العريضة الممتدة من جاكرتا إلى الرباط، كما عبر عنها المفكر مالك بن نبي رحمه الله. في هذا الشهر المبارك، تتوحد مشاعر المسلمين حول العالم، فتصوم الأمة كلها، وتفطر في نفس الأوقات، وتحيي نفس الليالي، وتتلو نفس الآيات.

هذا التزامن الروحي العالمي يتجاوز الحدود السياسية والجغرافية، فلا حدود ولا جوازات سفر تمنع لقاء أرواحنا في هذا الشهر الكريم. نشعر أننا جزء من كيان روحي واحد، يتنفس في إيقاع متناغم، ويتجه إلى قبلة واحدة، ويعيش على رجاء واحد.

رمضان، بهذا المعنى، هو تجسيد حي لوحدة الأمة وتجاوزها للفوارق والتقسيمات، وتذكير بأن رابطة العقيدة أقوى وأبقى من أي رابطة أخرى. إنه محطة سنوية لإعادة اكتشاف هذا البعد المهم من أبعاد هويتنا - انتماؤنا للأمة الإسلامية.

 رمضان محطة للتجديد

نعم، الكمال مطلوب لكنه عزيز التحقيق، ومن سنة الله في خلقه أن الإنسان ضعيف، يغفل وينسى. لذلك يبقى رمضان محطة من محطات التنبيه والتذكير، محطة للفعل الحسن وتجديد العزم.

هذه التنبيهات التي يقدمها لنا شهر الصوم تخرجنا من غفلة الانغماس في الدنيا وهمومها، إلى رحابة التعلق بالله وكتابه ودينه، فنكتشف انتماءنا الأكبر والأعمق - انتماؤنا إلى خالقنا ومولانا الذي إليه المصير.

رمضان بهذا المعنى هو شهر إعادة الانتماء الصحيح وتصحيح البوصلة الروحية التي قد تنحرف في زحمة الحياة وضغوطها. فلنستثمر هذه المحطة المباركة في الانتباه والانتماء، وتجديد العهد مع الله والنفس والمجتمع.



كتب حسان الحميني 

والله الموفق.

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.