#أولا: حرج العالمية..
باعتباره متغيرا
ومكونا
ومجالا ..
أ): مفهوم حرج العالمية:
يتركب مفهوم حرج العالمية من محددات عدة تتداخل وتتفاعل عبر زمان ومكان الكوكب الأرضي كله..
ويتجلى ذلك على كل المستويات من الجغرافي/السياسي الى الإجتماعي، الإقتصادي،الى النفسي والثقافي ..
وهو "حالة فضائية " بتعبير نظرية الكاوو ، أو نظرية العمق السنني المنظم للعدد الهائل من العوامل المؤثرة ضمن مجال مفتوح ظاهريا لكنه محكم في عمقه (١) : (أبعاد إبيستمولوجية لنظرية الكاوو)
هنا نلاحظ، أن الحالة الفضائية تمثل تعبيرا دقيقا عن كل ما يجمع عالمنا :
١:المحددات الطبيعية(كوكب الأرض، وما فيه من موارد وأنظمة حياة وجيولوجيا، وغلاف جوي ،ومنظومات بيئية ...)
٢: ومحددات بشرية وحضارية:
تواريخ متعددة ،وثقافات، وأديان.
إضافة الى:
أشخاص ومجتمعات، ودول، وأحلاف (جمع حلف)
٣: قوانين وسنن اجتماعية وكونية :
تدخل ضمنها مجموعة الحقائق العلمية المؤكدة النسبية لكن القابلة للنظم والتركيب على شكل براهين غير قابلة للهدم مع النظريات والفروض المفتوحة المنتجة لهذه الحقائق
##ولكن في مقابل إمكانية البناء التي يحققها هذا النظم ،وهذا التركيب، المؤسسين على ما يوحد مكونات الحالة الفضائية الشاملة،
في مقابل ذلك، توجد شبكة كبيرة من عوامل الهدم !!
##وبينهما ، بين عوامل الهدم ومكونات النظم يتطور مفهوم "حرج العالمية "
ب): مستقبلات الدول والشعوب بين عوامل البناء وعوامل الهدم:
تترسخ عوامل البناء ،شئنا ذلك أم أبينا بشريا، على حقائق وسنن الكون الطبيعي أصالة.. فقوانين الطبيعة لن تتأخر أو تتغير في انتظار النضج البشري، أو الإتفاق البشري على نموذج يصلح لعالمنا..
بل تعمل عملها دونما انتظار أو محاباة..
وإذا كان من معنى وقيمة للوجود البشري ولسعيه في كون بهذه الصرامة ، فهذا المعنى والقيمة يتحققان من تحصيل العلم الكافي للتدخل في الوقت المناسب..
والحال أننا كدول وشعوب نقف مختلفين الى حد التناقض أمام وحدة اتجاه السنن الكونية، وأحاول في هذه المناقشة التصرف بحسب حسن الظن بداية بمختلف الأسرة العالمية طالما نحن جيران في كوكب واحد وتعاملنا القوانين الكونية بنفس الطريقة، ونواصل مواجهة تحدي تناقض الاداء الحضاري كله عبر تراكماته التاريخية ، تناقضه مع الأداء الكوني، ونبحث سويا عما يوازن عوامل الهدم بعوامل البناء..
##لكن الإختلاف الذي هو أساسا سمة بقاء وتوازن تمنح الثقافات والشعوب فرصا متعددة وزوايا نظر خصبة للنظر الى الواقع، الكوني ثم الحضاري ضمنه، ثم العلاقي التعقيدي بينهما، ثم بناء نظم مركب متعدد زوايا النظر لأجل تأمين البقاء
هذا الإختلاف، يخضع هو نفسه لقوى الهدم ، فيتحول الى تنميط وهيمنة من الأقوياء ضد الضعفاء وبأشكال مؤسسية وبنيوية مطردة ...
فيتحول الى تناقضات ميدانية أبرزها:
##هدم أنساق القوة لأنساق التنوع، ما يسفر عن تضاعف الإختلال مقابل التوازن ، ثم تكر عوامل الهدم لتعصف بالقوى المؤثرة نفسها عند مستويات من حرج العالمية غير المنظومة سلفا خلال الوقت الوقائي...
ولاجل أن أعطي أمثلة ، لابد من العودة الى عصر حرية العلم في التاريخ المعاصر ،في الغرب طبعا، في أوج عالميته قبل أن تطغى دوليته : أقصد في زمن نيلز بور، وإينشتاين وجون وييلر وروني ماهو ، ثم بريغوجين وصولا الى جون غيتون وآخرين...
يقول عالم البيولوجيا من ذلكم العصر :( فون باغتالاني/Von Bartalaney ):
" حيث توجد الغاية، يوجد النسق"
نقلا عن د. المهدي المنجرة ، عولمة العولمة..(٢) ص: ٢٣ )
هنا ، مواصلة اكتشاف كيفية اندراج الأداءات الحضارية ضمن الاداء الكوني المحيط ،السابق والممتد بعد الحضارة. .
الضيف الاخير الذي هو نحن البشر، يمتاز عن باقي الكائنات قبله وحوله، بأنه هو من ينجز غايته بنفسه..
وإذا اردنا ان نعلم مستقبلات سعيه ،أين يتجه، وكيف سيكون ، وكيف سترد عليه السنن،وكيف سيتصرف مع الآخرين ، فلننظر الى ما كانت غايته حقا بداية السعي..
حيث توجد الغاية يوجد نسق، والنسق هو الحاكم على المسار..
يأخذ د. المهدي المنجرة هذه الآلية ليحلل بها ظاهرة أساسية في توازن وبقاء عالمنا ألا وهي :
مدى استمرار ضعف فعالية القانون الدولي..
فالقانون الدولي بداهة هو صمام البناء الاساسي في علاقة الاداء الحضاري بالاداء الكوني، ومن تم هو النسق الاكبر للحفاظ والتمكين للتنوع وللإختلاف وللتعارف بين الدول والشعوب
اي في نظري هو آلية لنظم التعقيد في عالمنا جهة التواصل والسلام وبرمجة العلوم والتقنيات لتخدم الحياة ومنظومات تأمينها منذ الحاضر
ولكن التحليل يكشف أن الغاية التي وضع لها القانون الدولي لم تصمم لتكون غاية عالمية (٣) يقول د. المنجرة :
" ...كان هناك عامل تجميعي يتعلق بنسق القيم ،هو الذي ينظم النسق في مجموعه..كل هذا تغير مع وصول ما يطلق عليه البعض:(حشد البلدان المستقلة ) التي أصبح يملك كل منها صوتا في الامم المتحدة ..مثله في ذلك مثل الاعضاء المؤسسين، لكنه حشد ينتمي الى أنساق من القيم المختلفة، تقطع مع الإنسجام الذي كان سائدا في هذا المستوى ..." ص٢٤ (عولمة العولمة)
يضيف الدكتور المهدي المنجرة بيانا هاما يكشف من خلاله ما يعنيه التباين في القيم، وكيف يحدد تناقضات على مستوى الغايات، فتتضارب الأنساق عوض أن تتكامل، يقول:
" هؤلاء الأعضاء الجدد خرجوا لتوهم من الإستعمار ، ولم يكونوا في وقته على استعداد للخضوع لجهاز القيم والمسلكيات المفروضة من طرف واحد ، ودون أن يسبق لهم المشاركة في بلورته ...
فبدأ 'الشمال' يتحدث فعلا عن الأغلبية 'الأوتوماتيكية' واضعا إياها كسيرورة (لا ديمقراطية) ،وهناك من ذهب به التفكير الى حد اعتبار ممارسة حق التصويت كما حددها ميثاق الأمم المتحدة، لا تتلاءم ومقاصد وأهداف التعاون الدولي وحفظ السلام !! هكذا "ص-ص ٢٣-٢٤
**نتائج البحث في مفهوم حرج العالمية **
١: تحقق وجود آليات واعدة لضبط العشوائية المتزايدة في علاقة الاداء الكوني بالاداء الحضاري (البشري ككل متناقض و/أو متعارف)
منها: معرفة الغايات المؤسسة للأداء تحدد الأنساق..
ومن تم يمكن بناء محاكاة حاسوبية ، وبرمجيات وقائية ترسم المسارات بإدخال غايات معينة بدقة، ثم مد البرنامج بعمليات تقريبية من الواقع، ثم رصد المخرجات ومقارنتها بإمكانيات :
الدولة الواحدة
مجموعة دول ذات أداء متقارب اتجاهيا
أداء المجموعة الدولية الاكثر تأثيرا..
في مقابل برنامج تقريبي يوضح كيف هي حدود وقوانين المجال الحيوي المشترك، وما المدخلات المعبرة عن الإختلال والتازم والتفرقة واللامبالاة
ثم رصد السيناريوهات المختلفة قبل تحول حرج العالمية الى مرحلة خطيرة يسميها علماء التعقيد :
"أجل تدبر الازمة لذاتها بذاتها" (٤) أبعاد إبيستمولوجية لنظرية الكاوو (: ص-ص :٠٨-١٢)
2: يمكن التعبير علميا عن الوحدات الصغرى للتدخل بغايات مقبولة من جهاز العلاقة بين الحضارة ككل والأداء الكوني وذلك عبر آلية أخرى من علم التعقيد تدعى :
"مفعول الفراشة" (نفس الصفحات والمصدر السابق مثالا لا حصرا )
مفعول الفراشة هو التأثير الصغري الادنى من الفعل الذي ترصده علوم هذه العلاقة التي نخضع لها جميعا في هذا الكوكب..
وهو ،إذا أسند الى غاية مقبولة من الجهاز ،أدى ذلك الى إحداث نسق آمن على المستويات الماكروسكوبية، أي من مستوى الحياة اليومية الى الوضع الوطني الى الإقليمي الى العالمي..
لكن ، إن ترك يعمل دون اتضاح الغايات الكبرى أو بوضع غايات غير معقولة(ظالمة، عنصرية ، منغلقة ، لا تجدد المعرفة ، لا تخضع السياسات للنقد البناء ...) فإن عالمنا يتحول الى فوضى من غايات منتجة لأنساق أكثر عشوائية ثم عدائية لنا ككل بشري /حضاري ثم تبدأ في هدم أغلبي لمجالنا الحيوي المشترك (مجلة العلوم الامريكية المجلد ٢٢، العدد ٠٥ ماي /أيار 2006: مفترق طرق أمام الكرة الأرضية ص-ص: 01-07)
واخص بالتحديد الصفحة رقم أربعة من المجلة حيث يعبر الكاتب المتخصص بعلاقات تأثير نمو السكان، والسياسات المتبعة على عوامل المناخ، ثم تأثير آثار المناخ على السكان وعلى السياسات ،يعبر بالآتي:
"...سيزداد الضغط بشكل مطرد على تخوم كوكبنا: فنحن نضخ الآن ثلاثة أضعاف كمية ثنائي أكسيد الكربون أسرع مما يمكن للمحيطات واليابسة امتصاصه، ويرى خبراء علم المناخ أنه مع حلول منتصف القرن الحالي سيبدأ الإحترار الارضي بنهش فعلي لكوكبنا !!! وإذا ما سارت الامور بمعدلاتها الحالية فإن الغابات ومواطن الاسماك ستتآكل أسرع من ذلك..
وهذه التحولات الثلاثة المتزامنة والمتضافرة : الديمغرافية والإقتصادية والبيئية، هي التي سيتذكرها المؤرخون في المستقبل عندما يستعيدون ذكريات عصرنا الحالي..فهي تحول كل شيء بدءا من النواحي الجيوسياسية وانتهاء بالبنى الأسرية ، وتفرض مشكلات من سويات لا تتوافر لدى الجماعات البشرية خبرات كافية بشأنها ""
ويضيف في نفس الصفحة:
"...وكما يصف O.E ويلسون (عالم الاحياء من جامعة هارفرد )الأمر، بأننا على وشك ولوج " عنق الزجاجة" وهي فترة من الإجهاد الأعظمي على الموارد الطبيعية والإبداع البشري """
هذا هو المعنى الدقيق والمركب من معطيات ومفاعيل ومكونات عديدة حاولت وضع مصطلح (حرج العالمية ) للتعبير عنها جميعا:
درجة أو عتبة من التداخل والتراكم والتفاعل بحيث تفرض علينا عالميا التدخل جماعيا لتحديد الطريق الآمن من بين عديد من الطرق المجهولة لدى نقطة مفترق الطرق التعقيدي الذي تسببنا فيه جميعا سواء المتهورين أو غير المبالين بجهل او بتعمد ومن مختلف الثقافات..
ولكن تم وضع اليد على عقدة تحديد الإتجاه: الغايات تحدد الأنساق، والانساق يجاب عليها من لدن الاداء الكوني..
وتم تحديد لبنات البناء منذ الوحدات الاصغر : مفاعيل الفراشة في اتجاه العدالة والتنظيم والثقة أو في اتجاه الإنغلاق والاقصاء والتناكر
ووضح علم التعقيد ضرورة وجود أجل ..حد لا ريب فيه للحكم على ما نساهم فيه جميعا بالوحدات الصغرى هل نبني أم نهدم ، نساهم في تكتلات بانية ام هادمة ، وهو أجل: تدبر الازمة لذاتها بذاتها...
في الجزء الرابع سنتناول عوامل البناء للسلم والتماسك الداخلي للبلدان التي تود أن لا تتجه نحو الهاوية ،
أي ثمة أفق واعد آخر، بحيث حتى لو لم تجمع الأمم كلها على برنامج بقاء معقول، فثمة سيناريوهات للتدخل الآمن يقوم بها البعض بغض النظر عن الأخرين
تقوم على تحسين شروط التواصلات المحلية و/او الاقليمية لمساعدة مختلف الراغبين في تأمين متوازن للبقاء في المستقبل بعون الله
**المصادر **
- _أبعاد إيبستمولوجية للنظرية العلمية "الكاوو" = الهباء
- د. سوزان رسول ، مجلة : منبر الحوار ،السنة الثامنة ، العدد ٢٧، شتاء ١٩٩٣
- _عولمة العولمة
- د. المهدي المنجرة ،منشورات الزمن، العدد ١٨، سبتمبر ، سنة ٢٠٠٠
- _مجلة العلوم Scientific American المجلد ٢٢، عدد ٠٥ ماي ، ٢٠٠٦
- مقال: أوج البشرية
محمد بن عزة