استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

المعايير المجتمعية (منهج الناهض في بناء النهضة)


نقرأ في سورة البقرة :
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيٓـُٔهُمُۥٓ إِنَّ اَ۬للَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاٗۖ قَالُوٓاْ أَنّ۪يٰ يَكُونُ لَهُ اُ۬لْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُوتَ سَعَةٗ مِّنَ اَ۬لْمَالِۖ قَالَ إِنَّ اَ۬للَّهَ اَ۪صْطَف۪يٰهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُۥ بَسْطَةٗ فِے اِ۬لْعِلْمِ وَالْجِسْمِۖ وَاللَّهُ يُوتِے مُلْكَهُۥ مَنْ يَّشَآءُۖ وَاللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞۖ ﴾ [247]،

يشكل فساد المفاهيم المعيارية في المجتمعات خللاً جذرياً يؤدي إلى اختلال الموازين وانهيار القيم. وتقدم الآية 247 من سورة البقرة نموذجاً فريداً في تصحيح هذه المعايير من خلال قصة طالوت.

أزمة المفاهيم المعيارية وآثارها

تتجلى خطورة فساد المعايير في آثارها المتعددة على المجتمع، فهي تؤدي إلى وصول غير المؤهلين لمواقع القيادة، وتقديم الولاءات على الكفاءات، وانتشار المحسوبية. وتمتد آثارها لتشمل ضياع الحقوق، وإحباط أصحاب الكفاءات، وتراجع مستوى الأداء المؤسسي، ومن المؤسسات التي تتأثر سلبا وإيجابا الأسرة،
قال النبي ﷺ: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض"،
حديث أبي هريرة  عن النبي ﷺ قال : "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".

التصحيح النبوي للمفاهيم المعيارية

يقدم الحديث النبوي الشريف نموذجاً عملياً في تصحيح المعايير، فقد روى البخاري رحمه الله عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : " مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ : ( مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ ) ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ ) ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا ). وهو تصحيح جذري لمعايير التقييم المجتمعي.

تحليل مراحل انحراف المعايير

يقدم الحرالي تحليلاً عميقاً لتدرج فساد المفاهيم المعيارية عبر ثلاث مراحل، حيث يقول
نقل البقاعي عن الحرالي رحمه الله
قال الحرالي: فكان أول ما ابتلوا به أن مُلِّكَ عليهم من لم يكن من أهل بيت المُلْك عندهم فكان أول فتنتهم بما طلبوا ملكاً فأجيبوا فلم يرضوا بما بعث لهم…"
قال الحرالي: فثنوا اعتراضهم بما هو أشد وهو الفخر بما ادعوه من استحقاق الملك على من ملكه الله عليهم فكان فيه حظ من فخر إبليس حيث قال حين أمر بالسجود لآدم: {أنا خير منه}"
قال الحرالي: فكان في هذه الثالثة فتنة استصنام المال وأنه مما يقام به ملك وإنما الملك بإيتاء الله فكان في هذه الفتنة الثالثة جهل وشرك، فتزايدت صنوف فتنتهم فيما انبعثوا إلى طلبه من أنفسهم"

جوهر المعيار الصحيح

يلخص القشيري المعيار الصحيح بقوله: ""نسوا حق الاختيار، فنظروا إلى الحال بعين الظاهر، فاستبعدوا أن يكون طالوت ملكاً لأنه كان فقيراً لا مال له، فبيَّن لهم أن الفضيلة باختيار الحق، وأنه وإن عَدِمَ المالَ فقد زاده الله علماً فَفَضَلَكم بعلمه وجسمه،"
 وهو بذلك يؤكد أن المعيار الحقيقي هو الاصطفاء الإلهي، لا المعايير المادية الظاهرة.

 الخلاصة المعيارية

يختم الطبري بتوضيح أساس المعايير الإلهية في قوله: ""وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ": والله واسع بفضله، فينعم به على من أحبّ، ويريد به من يشاء عَلِيمٌ بمن هو أهل لملكه الذي يؤتيه، وفضله الذي يعطيه، فيعطيه ذلك لعلمه به، وبأنه لما أعطاه أهل إما للإصلاح به وإما لأن ينتفع هو به".

الخاتمة :

تقدم هذه الآية رؤية واعدة لتصحيح المعايير المجتمعية، مؤكدة أن المفهوم المعياري الحقيقي هو ما يختاره الله تعالى، وأن الانحراف عن هذا المعيار يؤدي إلى فساد المجتمع وانهيار قيمه. وتدعو إلى العودة للمعايير الربانية في التقييم والاختيار، وتفعيل مبدأ المحاسبة، وتعزيز ثقافة الكفاءة والجدارة.



كتب حسان الحميني والله الموفق

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.