استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

طاعون العصر ..


الاستبداد والاستعباد ..
كلمتين متجانستين متقاربتين في المعنى والواقع ..
الاستعباد فلسفة غريبة، وحالة نفسية نادرة تشبه إلى حد ما حالات الإدمان؛ حيث يستعبد البطش والجبروت والهيمنة وقهر الآخرين نفسية المستبد وتفتك به أكثر من أذيتها للآخرين ، إذ لا يشعر بالانتشاء والنشوة والمتعة إلا حين يوقن أنه ألحق الأذى بالآخرين وما أسعده حين يكون هذا الأذى نفسي ويرى بادرات الحزن والألم على ملامح من آذاه ..
المستبد يفتك حتى بالمقربين منه وحين لا يجد حوله من يفتك به يفتك بذاته بسادية غير مبررة ..
يحاول أن يوهم البعض أنه يثق بهم ولكنه لا يثق حتى بنفسه ؛ إذ إنه يتردد كثيرا ويتناقض كثيرا في قراراته ، ويبرر هذا بغباء من حوله ونبوغه عليهم رؤية وفكرا ..
المستبد يلعن الفساد والاستبداد ويدعى محاربة كل البغاة والظالمين ..
المستبد يحتقر كل من يخضع له ويمعن في إذلاله لأنه يراه أحط من أن يستحق الحياة والحرية ..
الاستبداد ليس حصرا على الحكام ولا القادة..
فكل ظالم مستبد..
وكل عالم متعصب..
وكل ولي يقهر من تحت ولايته مستبد ..
وكل مستبد يشرع لنفسه ويجد المبررات الدينية والقانونية والعرفية والثقافية لسلوكه المنحرف ..
أما محمد صلى الله عليه وسلم فكان على خلق عظيم، بالمؤمنين رؤوف رحيم ، ولو كان فظا غليظ القلب لما دخل الناس في دين الله أفواجا ..
من يتقبل الاستبداد ويخضع للاستعباد يشعر بالضجر في بادئ الأمر ؛ ثم يستسلم لشعور القهر ويشكو من مظلمته لكل من يلقاه ، ثم يستمتع بدور الضحية ويشعر بالنقص إذا لم يمارس عليه الظلم والقهر ..
الخطير أن هذا الاستمتاع بالإذلال يتحول لوباء كالطاعون ينتشر بين الناس لا يقتل ولا يسلب الحياة ؛ لكنه يسلب من الإنسان آدميته ويحوله لمسخ بشري يشعر بالاشمئزاز من نفسه وحاله ولا يتحقق له الرضا بحال ..
هذا الشعور بالدونية يحول الإنسان لآلة شريرة تفتك وتخرب وتفسد كل ما لقيها ولا يعجبه الخير ويحسد كل حر ويسعى للتنمر وإلحاق الأذى به حتى يشعر أنه والجميع عبيد سواء ..
هذا القبول للاستعباد مرفوض شرعا وفطرة وقد جاء القرآن صريحا في ذلك ..
(وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰ⁠نِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا)
أما من لم يستطع دفع الظلم عن نفسه فقد جاءه الأمر صريحا مباشرا لا لبس فيه
( وَمَن یُهَاجِرۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یَجِدۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُرَ ٰ⁠غَمࣰا كَثِیرࣰا وَسَعَةࣰۚ وَمَن یَخۡرُجۡ مِنۢ بَیۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ یُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا)
لا عذر ولا مبرر لقبول الظلم وحني الرقاب طوعا لمستبد ووضع اليدين في السلاسل، ونكس الفطر السوية ..
الحمد لله الذي خلقنا أحرارا ورفع قدرنا بعبادته ووحدانيته وجعلنا مسلمين ..
رضي الله عن الفاروق عمر حين قال : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"




بقلم :  فاطمة بنت الرفاعي

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.