(أخذ زيد الراية فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر، ثم أخذ الراية ابن أبي رواحة فأصيب، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم).
أخرجه البخاري
هكذا تحلِّق الراية، هكذا يعزفون سيمفونية اللحظات المتفرِّدة...
يختزل المشهد كل شيء، فهي سُنَّة من سُنن البقاء لأقدس الأشياء: الراية، والرؤية، والرواية. يتفنَّنون في رسم خُطى الدرب، وصناعة الفعل المحبوك الآسر، ويُلوِّنون طريقة الموت بالسحر ذاته. صنعوا الحياة، فاختارتهم الشهادة شركاء البقاء، أحياءً عند ربهم يُرزقون...
لا أدري لماذا ألمح الشيءَ ذاته في وجوههم وأعينهم، شيئًا من فيض أفئدتهم وعمق أرواحهم. تنظر إليهم كأنك تنظر إلى منحوتة عزٍّ تتألَّق في تقاسيمهم الوقورة، حيث تزدان الهيبة في تفاصيل ملامحهم البهيَّة...
ما أجملهم! حين يعيشون وحين يموتون، لا أجمل من أن تكون من صُنَّاع الرصيف الخالد...
رصيف ممتدٌّ حتى مشارف الجنان...
رصيف تبحث عنه ذواتنا التائهة، لنخطَّ فيه طريق العبور، وننسلخ من عجزنا المتآكل، ونخرج من شرنقاتنا المتأقلمة على منهجيةٍ مُقنَّنة لم نحسن إلى الآن فكَّ شِفْراتها المعقدة. رصيف تهواه أرواحنا، لكننا نجهل رموز خرائطه، هم وحدهم من أتقنوا فن العبور...
فوزية الكوري