تعتبر كل من ماليزيا وسنغافورة من أبرز الأمثلة على النمو الاقتصادي والتطور الحضاري في جنوب شرق آسيا، وتتمتع كل منهما بمزايا فريدة جعلت منهما وجهتين جاذبتين للاستثمار والتجارة، مع التركيز على التعليم، التكنولوجيا والصناعات المتقدمة، ويمكن أن تستفيد سورية الجديدة من تجربة هاتين الدولتين في عدة مجالات، في سبيل تسريع عملية النهوض الاقتصادي والاجتماعي.
كان لرؤية رئيس الوزراء الماليزي "مهاتير محمد" دور أساسي في توجيه البلاد نحو التقدم، من خلال خطط استراتيجية واضحة تعتمد على: (التنمية الاقتصادية، التعليم والتكنولوجيا)، كما تبنّى سياسات تعزّز الوحدة الوطنية، لأن ماليزيا كانت تعاني من الانقسامات العرقية، وذلك من خلال برامج اجتماعية متوازنة، والتركيز على تحقيق العدالة الانتقالية.
انتقلت ماليزيا من اقتصاد يعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية؛ إلى اقتصاد صناعي، تقني متنوع، كما وضعت التعليم في قلب نهضتها!! حيث ركّزت على تطوير البحث العلمي والتدريب المهني. أما جانب الاستثمار الأجنبي فقد قدّمت ماليزيا تسهيلات كبيرة لجذب المستثمرين الأجانب، مع سياسات تحفيزية للشركات المحلية.
أنشأت ماليزيا شبكة متطورة من: (الطرق، المطارات والموانئ) في سبيل دعم التنمية المستدامة، مما خلق فرص عمل وساهم في إعادة بناء البنية التحتية، كما استثمرت في الجانب السياحي كأحد محركات الاقتصاد، ودعمت جميع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكذلك ساهم أيضًا في خلق طبقة اقتصادية قوية، ونجحت ماليزيا بفضل انفتاحها على العالم وشراكاتها الاقتصادية، مما أتاح لها فرصة إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.
أما عن سنغافورة.. فقد تحولت من جزيرة صغيرة، فقيرة بالموارد بعد استقلالها عام 1965م؛ إلى واحدة من أغنى دول العالم، بفضل رؤية قيادتها الحكيمة، التخطيط الاستراتيجي وكذلك الانضباط في تنفيذ السياسات.
قاد رئيس وزراء سنغافورة "لي كوان يو" مشروع النهضة برؤية واضحة، قامت على: (تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، إقامة دولة قانون ومؤسسات، إصلاح النظام التعليمي، جذب الاستثمارات الأجنبية وبناء اقتصاد متين)، حيث لم يكن لسنغافورة أي موارد طبيعية، لكنها ركزت على تطوير رأس المال البشري -هذه النقطة بالتحديد ركز عليها رئيس سورية السيد "أحمد الشرع"- ووضعت سياسات صارمة لمكافحة الفساد وتعزيز الكفاءة الحكومية.
في مجال الاقتصاد، قدمت سنغافورة حوافز ضريبية مغرية للشركات الأجنبية، وأوجدت بيئة أعمال صديقة للمستثمرين، وأنشأت مناطق صناعية متطورة لتشجيع التصنيع؛ مما ساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فوقعت مع أكثر من مائة دولة اتفاقيات تجارة حرة، كما ساهمت في تطوير البنية التحتية من خلال إنشاء أكثر الموانئ كفاءةً في العالم، وطوّرت شبكة مواصلات حديثة، وركزت على الطاقة النظيفة والمياه.
شمل قطاع التعليم إصلاح جذري حتى بدا الأفضل عالميًا، كما أسست معاهد تدريب تقني متقدمة لخلق كوادر مدربة وفقًا لاحتياجات السوق، وتحولت لمركز عالمي للتكنولوجيا، وتصدرت المؤشرات العالمية في الشفافية، الأمان وسهولة ممارسة الأعمال.
رغم الفروقات بين الدول الثلاث؛ تستطيع سورية الجديدة تبنّي سياسات مشابهة، من خلال: (قيادة سياسية ذات رؤية استراتيجية واضحة تضع مصلحة البلاد فوق المصالح الشخصية، مكافحة الفساد بشدة لضمان بيئة عمل نظيفة ومريحة، خلق اقتصاد منتج بدلًا من الريع يعتمد على التصنيع والابتكار، إصلاح جذري للنظام التعليمي وربطه بسوق العمب لخلق قوى عاملة ومؤهلة، تحقيق الاستقرار وبسط الأمت وتحقيق العدالة الانتقالية، جذب الاستثمارات الأجنبية وفتح الاقتصاد على الأسواق العالمية مع تعزيز العلاقات التجارية).
طريق سورية للنهوض يبدأ من هذه العوامل، بناءًا على أسس وقيم عادلة، حينها يمكنها أن تحقق قفزة تنموية نهضوية كبيرة خلال عقد واحد من الزمن، وتحقق تنمية مستدامة وازدهار اقتصادي تعجب له الأمم!!
✍🏻 الأغيد السيد علي
05/02/2025