روى أن رجلا من الصالحين قال لأولاده: إنى أريد الحج فبكوا وقالوا: إلي من تكلنا؟!
وكان له ابنة مباركة قد رزقها الله بنعمة التوكل واليقين، فقالت: دعوه يذهب فقد علمنا انه أكال وليس برازق..
فخرج، فباتوا جياعا، فجعلوا يوبخون تلك البنت، فقالت: اللهم لاتخجلنى بينهم..
فمر بهم أمير البلاد فقال لجنوده وحاشيته: اطلبوا لي ماء..
فناوله أهل الدار إناء من الماء البارد، وألقى الله الحلاوة فى كوب الماء فشرب..
فقال: دار من هذه؟
فقالوا: دار فلان.. فرمى فيها صرة من ذهب، وقال: من أحبنى فليصنع مثلما صنعت..
فرمى العسكر ما معهم من المال في ذلك الإناء..
فجعلت البنت تبكى، فقالت أمها: مايبكيك وقد وسع الله علينا..
فقالت: لأن مخلوقا نظر إلينا نظرة فاغتنينا، فكيف لو نظر إلينا الخالق "جل وعلا"؟
انتهت الحكاية..
لكن كم مرة خذلك العالمين وأدركتك كف عناية الله وتلطفت بك أقداره؟
كم مرة ظلمك سوء ظن أحدهم أو تقديره وعجزت عن الانتصاف لنفسك وتجرعت مر الحسرة وجرت دموعك لا يكد يدري بها إلا صفحة خدك ولكن رحمة الله كانت أرحم من أن تكلك لعجزك؟
كم مرة ركضت وسعيت وبذلت وكابدت لترضية أحد عن عملك أو إقناعه بجدواك ولكن عدت بخفي حنين ثم يأتيك الجزاء من حيث لا تحتسب؟
كم مرة ذقت كسرة الخاطر ممن ظننت بهم عوضا وقبل أن تسقط تحملك ألطاف الرؤوف الرحيم؟
كم مرة انقطعت دونك أسباب الأرض وسقطت على ركبتيك عاجزا تبكي كطفل تائه وعين الله ترصد آه في صدرك ونحيب الحنايا ثم يهطل هتان الخير عليك ثجاجا وإن كنت في الفيافي المقفرة؟
كم مرة اجتاحت الوحدة روحك وأحكمت الغربة على قلبك أضلاعك حتى ضاقت عليك نفسك وظننتها القاضية ولا يكاد يشعر بك حتى أقرب الناس إليك؛ ثم تنساب رياح أنس أو ذكرى تسري عنك وتربت على قلبك المثقل وتطمئن روحك الزافرة؟
من الذي تداركك في هذه اللحظة؟
قبل أن تجيب امسح هذه الدمعة الكسيفة على جفنك وأخرج تلك الزفرة الحبيسة واحمد الله ألف مرة ولا تنقم على عجزك وحزنك ولكن..
مهما أظلمت وأقفرت وضاقت واستحكمت.. سيولد من دياجيها فجر أمل جديد..
إنه الله الرحمن الرحيم يا عبده..
إنه ربك الذي يتولك وإن توليت..
فأقبل ولاتخف وستنجو مادمت بالحبل معتصما..
فاطمة بنت الرفاعي