استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

النهوض والابتلاء: مقاومة جاذبية القعود


﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَےْءٖ مِّنَ اَ۬لْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٖ مِّنَ اَ۬لَامْوَٰلِ وَالَانفُسِ وَالثَّمَرَٰتِۖ وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ ﴾ [البقرة،155]،

يرتبط النهوض بالمجتمع ارتباطاً وثيقاً بسنة الابتلاء. وكما أن الإنسان لا يشعر بقوة الجاذبية إلا حين يحاول النهوض، فكذلك لا تتجلى حقيقة الابتلاء إلا لمن يسعى للإصلاح والتغيير. وفي هذا السياق، تقدم الآية 155 من سورة البقرة رؤية شاملة لطبيعة الابتلاء وكيفية مواجهته، مؤكدة أن النهوض يتطلب مقاومة مستمرة لجاذبية القعود.

طبيعة الابتلاء وتدرجه:

يشرح السعدي رحمه الله طبيعة الابتلاء المتدرجة قائلاً: "فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده بشيءٍ من الخوف من الأعداء والجوع... لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله، أو الجوع، لهلكوا، والمحن تمحص لا تهلك." ويضيف ابن عرفة في ترتيب هذه الابتلاءات: "هذا ترقٍ لأن الجوع أشد من الخوف... والنقص من الأنفس بالمرض أو بالموت أشد من الجميع."

التوطين النفسي والإعداد الروحي:

يؤكد الجصاص أهمية الإعداد النفسي المسبق للابتلاء: "ليوطنوا أنفسهم على الصبر عليها إذا وردت؛ فيكون ذلك أبعد من الجزع وأسهل عليهم بعد الورود." ويضيف القشيري بُعداً عرفانياً: "ابتلاهم بالخوف وفيه تصفية لصدورهم، وبالجوع وفيه تنقية لأبدانهم، وبنقص من الأموال تزكو به نفوسهم."

الابتلاء كمنهج تربوي:

يقدم سيد قطب رؤية عميقة للبعد التربوي في الابتلاء: "لا بد من تربية النفوس بالبلاء... فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة؛ وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد." ويربط الفخر الرازي هذا بكمال الإيمان: "أنه تعالى أنعم أولا فأمر بالشكر، ثم ابتلى وأمر بالصبر، لينال الرجل درجة الشاكرين والصابرين معا، فيكمل إيمانه."

النموذج التطبيقي في حياة الصحابة:

يوضح الطوسي التجسيد العملي للابتلاء في حياة الصحابة: "فالخوف: كان لقصد المشركين لهم بالعداوة. والجوع: كان لفقرهم وتشاغلهم بالجهاد في سبيل الله عن المعاش. ونقص الأموال: للانقطاع بالجهاد عن العمارة."

خاتمة:

إن فهم سنة الابتلاء كما وردت في آية البقرة يقدم للناهضين بمجتمعاتهم خارطة طريق واضحة. فكل ابتلاء هو تأهيل لما بعده، وكل محنة تحمل في طياتها منحة، وكل مقاومة لجاذبية القعود هي علامة على صحة المسير. ويقول البقاعي رحمه الله: "ولما كان السياق مرشداً إلى أن التقدير: فأنذر من لم يصبر، ولكنه طوى إشارة إلى إجلال الذين آمنوا عن أن يكون فيهم من لم يصبر عطف عليه إرشاداً إليه وحثاً على الصبر ثم الذكر الموجبين للنصر قوله: {وبشر الصابرين}."


كتب حسان الحميني 
والله الموفق.

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.