استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

مشروع د. الطيب برغوث: القيم الحضارية والفهم السنني


منظومة القيم الحضارية في مشروع السننية الشاملة الذي طرحه المفكر الطيب برغوث –حفظه الله تعالى-، لها عمقها الفلسفي في الحياة الفكرية والعاطفية والسلوكية للفرد والمجتمع. حيث تتشكل هذه المنظومة من خلال التفاعلات التي تحصل بين الإنسان وسنن الوعي الاستخلافي، وما مدى تمثله لسنن الوعي الغائي اعتقاداً وسلوكاً، وإلى أي حدٍ وصل وعيه بسنن الوعي التسخيري، والاستفادة منها عملياً. وما مقدار التزامه بسنن الوعي الوقائي خلال إنجاز دورته الحضارية.

كل هذه التفاعلات الحاصلة بين الإنسان والمنظومات الأربع المُشَكِّلة لمنظور السننية الشاملة[1]، ستشكل معالم العالم الشعوري واللاشعوري، الواعي واللاواعي للفرد والمجتمع، الذي سينعكس في أفكار الإنسان ومشاعره واعتقاده وحركته في مختلف المجالات وضمن مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية .. إلخ؛ وهي التي يصطلح على تسميتها بـــــــ "الشخصية" على المستوى الفردي، و "الثقافة" على المستوى الإجتماعي.

لذلك، فبالنسبة للطيب برغوث فإن أي عملية استنئاف حضاري، يجب أن تنطلق من خلال تجديد العالم الثقافي للمجتمع وعالم الشخصية بالنسبة للفرد، من خلال التربية على مختلف المستويات، لتنسجم مع الطموحات الرسالية، وتتناغم مع سنن الله التسخيرية. وذلك من خلال منظومة القيم المشكلة للعالم الثقافي والشخصية. والمتمثلة في:

1. بناء منظومة القيم المُشَكِّلَة للعالم المعرفي: التي تتكفل بالكشف عن سنن وقوانين التسخير، التي تنظم الوجود العالمي برمته. وتدير حركته وتناسقها، إمضاء لإرادة الله –عز وجل- في خلقه. وتشمل هذه المنظومة الأبعاد القيمية التالية:

بناء المنظومة الاعتقادية: وذلك من خلال تجاوز الواقع العقدي الوراثي –غير الفاعل- سواء على مستوى المضمون أو المنهج، إلى واقع عقدي فاعل، كما رسم معالمه الوحي الإلهي المعصوم في القرآن والسنة، وجسدته التجربة الرسالية للأنبياء عليهم السلام.
بناء المنظومة الفكرية: وتكمن أهمية بناء منظومة القيم الفكرية، في كون الحركة الفكرية والعاطفية والسلوكية للإنسان، التي تحدد وجهته ومكانته في الحياة، نابعة من المحتوى الفكري الداخلي له، وهو منظومته الفكرية.
بناء المنظومة المنهجية: فالمنهج هو روح المعرفة، وأساس العلم، لأنها تضع بين يدي الإنسان الشروط الموضوعية للبحث عن الحقيقة وتحري الصواب.
بناء منظومة القدرات النقدية: وهذا من خلال امتلاك القدرة الفكرية والمنهجية على إبصار نواحي القوة والضعف في حياة الأفراد وحركة المجتمع ومؤسساته، والمساهمة الفاعلة في عملية المراجعة والتقويم، لتصويب الفهم وتسديد خطوات الإنجاز.
2. بناء منظومة القيم المشكلة للعالم الروحي: حيث تعتبر هذه المنظومة القيمية مركز الكيان البشري، ونقطة ارتكازه، ومحور توازنه الذي به تترابط أجزاؤه، وتتماسك أبعاده، وتتوازن قواه المعرفية والعاطفية والسلوكية، ومن ثم تعظم فعاليته الحضارية. وتتمثل أبعاد هذه المنظومة القيمية في:

بناء منظومة فقه الإخلاص: حيث إن الإخلاص يساعد الإنسان في مساره الحضاري من خلال توحيد الوجهة والهدف والهم. ويجمع الطاقة ولا يشتتها، فتيزد فعاليتها، وتعظم قوتها بحكم استقلاليتها من كل المؤثرات النفسية والاجتماعية المعيقة.
بناء منظومة فقه المراقبة: أي مراقبة الله –جلال جلاله- واستشعار حضوره الدائم في حياة الإنسان، حيث يحقق هذا الشعور النزوع إلى الإتقان، والاستمرارية، والصبر، وهي قيم أصيلة في أي فعل حضاري.
بناء منظومة فقه المحاسبة: حيث تساعد هذه القيمة الإنسان على تصويب خطئه، واستكمال نقصه، والتطلع إلى الكمال، وإبعاداً له عن الغرور والعجب والتمادي في الانحراف.
بناء منظومة فقه التوبة: باعتبارها منظومة ضرورية لتوازن الشخصية الإنسانية، وبدونها تضطرب حياة الإنسان وحركته خلال مسار بنائه الحضاري.
بناء منظومة فقه التوكل: الإنسان يتحرك نحو أهدافه في إطار عالم الأسباب التي بثها الله في الآفاق والأنفس. فإذا ما استفرغ طاقته في استجماع ما أمكنه من عدة وأسباب، التجأ إلى الله وفوض الأمر إليه. فتجتمع له بذلك قوة السبب وقوة الـتأييد الرباني، فتتعاظم فعاليته الإنجازية.
تأسيس الوعي بالهم الأخروي: فاستحضار الإنسان الدائم لمصيره ومآله، الذي يربط الدنيا بالآخرة، يضمن له الاستقامة في المسار، من خلال وضوح المبدأ والمنتهى.

3. بناء منظومة القيم المشكلة للعالم السلوكي: الارتقاء بالسلوك الإنساني، هو غاية الترقي المعرفي والروحي اللذين سبق الإشارة إليهما. فالرقي بالسلوك إلى درجة الإحسان، لتتناغم فعاليته الحضارية مع سنن الآفاق والأنفس والهداية والتأييد. وإذا كان الرقي المعرفي والروحي مطلوبان طلب الوسائل، فبناء السلوك السوي والرقي به مطلوب لذاته. وتشمل أبعاد هذه المنظومة القيمية ما يلي:

بناء قيم المنطق العملي: من خلال شحذ الفعالية الإنجازية للفرد إلى أقصى حدودها البشرية المستطاعة.
بناء قيم النزوع الجمالي: أو الذوق الجمالي، باعتباره دافع للحياة الإنسانية إلى أقصى درجات التطور والحسن والإتقان.
بناء قيم روح المسؤولية: وهذا من خلال تنمية الشعور العميق بالواجب، والمبادرة إلى القيام به دون توان. مهما كانت الظروف، وسواء تعلق هذا الواجب بالفرد ذاته أو بغيره من الناس، أو بالفكرة التي يؤمن بها.
بناء قيم الطموح الجدي: وهذا من خلال التطلع الواقعي المستمر إلى الكمال المعرفي والروحي والسلوكي والإنجازي، والانشداد القوي إلى معالي الأمور.
بناء قيم قيم النزوع الغيري أو الجماعي: من خلال تنمية الإحساس بالحاجة إلى الآخرين، وتعميق وعي الإنسان بأهمية الجهد الجماعي في إنجاز الأعمال التاريخية.
بناء قيم روح المصابرة والمثابرة وروح المتابعة والاستمرارية: وتتمثل في روح المداومة على العمل، وشدة الإقبال عليه بجد وحيوية، ومتابعة إنجازه بدقة وإحكام.

4. بناء منظومة عالم القدرات الإنجازية: ويقصد بها مجموع الآليات المنهجية الإجرائية المنتظمة، التي تحقق فعالية الإنجاز، وتضمن أصالته واطّراده، بصورة نموذجية متنامية . وهي تتمحور حول خمسة أنواع من القيم العملية، وهي:

  • القدرات التخطيطية.
  • القدرات التنفيذية.
  • قدرات المتابعة.
  • قدرات التقييم والتقويم.
  • قدرات الحماية للإنجازات.
فإذا استطاع مجتمع ما أن يطور ثقافة فاعلة من خلال التأسيس للمنظومات القيمية الأربع الكبرى (المعرفية، والروحية، والسلوكية، والإنجازية)، وأبعادها التفصيلية. وذلك من خلال بثها وزرعها في أنساقه التربوية والثقافية عموماً، والمتمثلة في: الأسرة، والمدرسة، والمسجد، والإعلام، والأنساق الاجتماعية بصفة عامة. فإنه سيكون مؤهلاً فعلاً لأداء أدوار حضارية متميزة وفعالة.



المهندس أسامة الوالي

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.