استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الوقت يمضي.. فماذا تركت وراءك؟


"بسم الله الرحمن الرحيم"

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين.

أما بعد:

بسم الله الرحمن الرحيم

"وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ" (سورة ق: ١٩)

في ذلك اليوم، بعد ساعاتٍ من العمل والإرهاق، وأنا أنظر إلى الساعة التي كانت تشير إلى الحادية عشر وتسع وخمسين دقيقة، وأنتظر تلك الدقيقة أن تمر. كان الوقت يمر ببطء، والشقاء يتراكم، وصبري ينفد بعد انتظار طويل. كنت أنتظر بحرقةٍ أن تمر تلك الدقيقة، وأنا أحصي الثواني، ثانية وراء ثانية، وأنا أراقب الساعة بثبات، أترقب مرور الدقيقة. ثم جاءت المفاجأة الكبرى: توقفت الساعة عند الحادية عشر وتسع وخمسين دقيقة وتسع وخمسين ثانية، وآخر ثانية لم تمر. كل شيء توقف.

العقارب تجمدت في مكانها، نسمات الهواء توقفت عن الوصول إلي، فقدت الشعور بمن حولي، وأمواج الصوت علقت في رأسي. تبعثرت كل أفكاري، وسقطت أرضًا دون معرفة بما يحدث لي، لأسمع مناديًا ينادي: "وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ".

حاولت أن أنطق بكلمة أو أحرك جزءًا من جسدي، ولكن لم أستطع، لأن كل شيء انتهى. مضت السنين والأشهر والأيام والساعات، وتلك الدقيقة لم تمضِ. ثم جاءت ذكريات الماضي، وظهرت أمامي بكل تفاصيلها، وسألني أحدهم: "ماذا قدمت قبل الممات؟"...


---

بعد هذا:

استيقظت من النوم، وانتهى الحلم. فهمت حينها أن كل ما رأيته كان مجرد منام، وجلست أفكر في الكثير من الأمور.

أهم ما فكرت به: 
"لماذا كنت أنتظر تلك الدقيقة أن تمر؟"
"لماذا لم أستفد منها قبل أن تمر وأعطي للوقت قيمته؟"

هذه حقيقة مرة، أننا لا نُعطي للوقت قيمة، رغم معرفتنا أن هذا الوقت يمر من عمرنا وحياتنا. كلنا هكذا أو معظمنا، ننتظر أن يمر الشهر لنتقاضى راتبنا، وتمر الأيام لنتوقع يوم الإجازة، ونضيع وقتنا في أمور لا فائدة منها. لا نُعطي الوقت قيمته، ولا نكسب الدقائق لصالحنا في اكتساب المهارات الجديدة، ولا نُكرس الوقت لخدمة هذا الكوكب الذي نعيش عليه. رغم أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أمرانا بذلك.

فقد خلقنا الله تعالى وأعطانا مهامًا يجب علينا أن ننجزها قبل أن تأتي تلك الدقيقة التي لن تمر.
وأهم ثلاث مهام أمرنا الله بها في قوله تعالى:
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾

  1. الإيمان بالغيب: أن نؤمن بالله عز وجل، وبغيب السموات والأرض، وبالجنة والنار، وبيوم الحساب، وبالآخرة، وبالأنبياء والمرسلين، والملائكة والكتب السماوية المنزلة، وكل ما خلق الله سبحانه وتعالى.
  2. العبادة: وهنا يأتي أمر الله لعباده أن يعبدوه ويطيعوا أمره في خمس فرائض أساسية: شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، صوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا. ثم تأتي السنن النبوية وكل ما أمرنا الله عز وجل به.
  3. الإنفاق: والإنفاق هنا لا يعني المال فقط، بل يشمل الجهد والتعب. أن تنفق من صحتك وعافيتك، وأفكارك وعقلك من أجل بناء هذه الأرض، ومنع الفساد بها، والحد من سفك الدماء، ونصر المظلومين، ومحاسبة الظالمين، وإقامة البر والقسط، والعمل من أجل هذه الأرض التي خلقنا الله تعالى عليها.

وأيضًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليفعل."

وهذا يدل على أن إعمار الأرض واجب وحقٌ علينا، ولا يجب أن نقول هذه الأرض ليست لنا، بل يجب علينا أن نزرع في الحياة الدنيا حتى نحصد في الآخرة. لكن كيف نزرع ونحن لا نملك الوقت لأننا أضعناه في أمور لا فائدة منها؟!

لذا علينا أن نعرف قيمة الوقت الذي نملكه اليوم، وقيمة الدقيقة التي لا نعطيها أي قيمة أو أهمية. يجب علينا أن نكسب الوقت لصالحنا، لا أن نضيعه في أمور لا فائدة منها. علينا أن نتعلم ونعمل في كل دقيقة تمر من عمرنا. حتى لو كنا في آخر العمر، يجب ألا نتوقف، بل نستمر في العمل، البناء، الكتابة، والاجتهاد، مع احترام كل دقيقة من حياتنا. وحتى لو زرعنا الزيتون ولم نحصده، يأتي من بعدنا من يحصده، وإن كتبنا كلمة ولم نكملها، سيأتي من يضع الحروف في مكانها.

ولا يجب علينا أن ننسى الجيل الذي سيورثنا بعد موتنا. والوراثة ليست فقط المال، بل أيضًا العلم الذي نتعلمه، والعمل الذي نتقنه، والحجر الذي نضعه في مكانه الصحيح. لذلك، يجب علينا أن نكسب الوقت، وأن نمضي في حساب خطواتنا. فكل طريق نمضي فيه اليوم، سيأتي من يكمله من بعدنا. فإن كان شاقًا، قضى عمره في الشقاء. لذا فكر جيدًا في الطريق الذي تمشي فيه، واجعله خير طريق، ينيره العلم، ويزينه العمل، من أجل من يأتي بعدك، ويرثك بعد فناءك.


كتابة: محمد سعيد

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.