اللقمة الحلال (أساس الاقتصاد الطيب والمجتمع المستقر)

في حديثٍ رواه البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ".

 هذا الحديث البسيط في ظاهره يحمل في طياته معاني عميقة تتجاوز الفرد إلى الأسرة والمجتمع، بل وتمتد لتشكل أساسًا لاقتصادٍ طيبٍ ومجتمعٍ مستقر. 

اللقمة التي يضعها الرجل في فم زوجته نتاج سلسلة من الجهود والأعمال التي يجب أن تكون حلالًا طيبًا.  يقول الله تعالى : ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِے اِ۬لَارْضِ حَلَٰلاٗ طَيِّباٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطْوَٰتِ اِ۬لشَّيْطَٰنِۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوّٞ مُّبِينٌۖ﴾ [البقرة: 168]. فطيب الكسب شرطٌ أساسيٌ لقبول العمل، سواء كان صدقةً أو عبادةً أو إحسانًا إلى الأهل. 

وهنا نجد أن اللقمة الحلال ليست مسألة فردية فقط، هي أساس لبناء مجتمعٍ قويٍّ ومستقرٍّ اقتصاديًّا وأخلاقيًّا. فعندما يكون السعي للكسب حلالًا، فإن ذلك ينعكس على الفرد والأسرة والمجتمع ككل، ويُسهم في تحقيق العدالة الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي.

الإسلام يُعلي من قيمة العمل، ابتغاء الكسب الحلال. فالعمل الذي يقوم به المسلم لكسب الرزق الحلال يُعتبر عبادة إذا نوى به الإعانة على طاعة الله وإعالة أهله. وهذا يُعطي قيمةً كبيرةً للأعمال الدنيوية إذا كانت خالصةً لوجه الله. 

ولكن طيب الكسب لا يقتصر أثره على الجانب المادي فقط، بل يشمل أيضًا الأثر على الجانب الأخلاقي. فالكسب الحلال يعني الابتعاد عن الغش والربا والظلم وأكل أموال الناس بالباطل. وهذا يُربي المسلم على الأخلاق الحسنة في تعامله مع الآخرين، مما يُسهم في بناء مجتمعٍ تسوده الثقة والتعاون.

اللقمة الحلال ليس مجرد مفهومٍ فردي، بل هو نظامٌ اقتصاديٌ متكاملٌ يُسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي. عندما يكون الكسب حلالًا، فإن ذلك يُقلل من الفساد المالي والاجتماعي، ويُسهم في توزيع الثروات بشكل عادل، مما يُقلل من الفقر ويُعزز التكافل الاجتماعي.

الاقتصاد الحلال يُربي المجتمع على القيم الأخلاقية مثل الصدق والأمانة والعدل. وعندما يبتعد الناس عن الكسب الحرام، فإن ذلك يُقلل من الجرائم والظلم الاجتماعي، مما يُسهم في بناء مجتمعٍ تسوده البركة والاستقرار.

الرزق الحلال لا يُجلب الرزق فقط، بل يُجلب البركة في البيت والأسرة، ويُسهم في استقرار الحياة الأسرية. البركة تعني النماء والاستقرار، وليس مجرد الكثرة المادية. فالله تعالى يقول: ﴿وَلَوَ اَنَّ أَهْلَ اَ۬لْقُر۪يٰٓ ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ اَ۬لسَّمَآءِ وَالَارْضِ…﴾ [الأعراف: 96]. 

فالبركة تأتي من طيب الكسب والإخلاص في العمل، مما يُسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

عندما يكون الكسب حلالًا، فإن الصدقات والأعمال الخيرية تكون طيبةً ومقبولةً، مما يُعزز التكافل الاجتماعي. الاقتصاد الحلال يُسهم في بناء مجتمعٍ متعاونٍ، حيث يُساعد الأغنياء الفقراء من خلال الزكاة والصدقات ويعزز أصناف الإنفاق الحلال. 

الإسلام يحث على العدالة في توزيع الثروات، ويحرم الاكتناز والربا والغش. الاقتصاد الحلال يُسهم في تحقيق العدالة الاقتصادية، مما يُقلل من الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. 

فالعدالة الاقتصادية تعني توزيع الثروات بشكل عادل، مما يُسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي. فعندما يشعر الناس بالعدل في توزيع الثروات، فإن ذلك يُسهم في بناء مجتمعٍ تسوده الثقة والتعاون.

الاقتصاد الحلال يعتمد على المشروعات النافعة والمباحة، مما يُسهم في استدامة الموارد وعدم استنزافها. هذا يتوافق مع مبدأ الاستخلاف في الإسلام، حيث الإنسان مُستخلف في الأرض ليعمرها بالطريقة الصحيحة. 

فالاستدامة الاقتصادية تعني استخدام الموارد بشكلٍ عادلٍ ومستدام، مما يُسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

اللقمة الحلال ليست مجرد فعلٍ يوميٍ عادي، بل هي أساس لبناء مجتمعٍ قويٍّ ومستقرٍّ اقتصاديًّا وأخلاقيًّا. فطيب الكسب شرطٌ أساسيٌ لقبول العمل، سواء كان صدقةً أو عبادةً أو إحسانًا إلى الأهل. 

نسأل الله أن يرزقنا الكسب الحلال، وأن يُصلح أحوالنا وأحوال مجتمعاتنا، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. 

كتب حسان الحميني

والله الموفق.