يحكى أن طفل صغيرا كان يحب الآيس كريم كثيرا ويرغب في شرائه كلما دخل بقالة..
كان والداه يتخذان في منعه كل السبل ولكنهما كان يستجيبان لإلحاحه مرات..
لكن في عقب كل مرة كان يصاب بالتهاب اللوزتين ويضطر للمكوث في الفراش أياما وكذلك تحمل وخز الإبر ومرارة الدواء..
تكررت الحادثة كثيرا ..
مع الوقت لم يطلب الطفل الآيس كريم ولم يكن يبدو على ملامحه أية إثارة إذا ما مر بثلاجة الآيس كريم في البقالة..
بل كان يطرق آسفا ويمضي بصمت..
لقد ارتبطت عنده لذة الآيس كريم بثمنها الباهض من مر الدواء وألم الإبر فآثر السلامة وتنازل عن أكثر شيء يحبه ..
كبر الصبي بهذا الموقف أعواما على سنه..
ترى في عينيه خبرة يافع كلما ذكر الآيس كريم أمامه..
تذكرني هذه القصة بالكثير من المواقف التي تروى على كرسي الاستشارات..
الكثير من الاندفاعات الساحرة والمواقف الجميلة التي دفع أصحابها أثمانا باهضة مقابلها..
ومرة بعد مرة كان الأسف والحذر سجانان لكل حرية وانطلاقة ساحرة..
لا أدري كم مرة سمعت عبارة مثل: " لقد ندمت لأنني فعلت.." أو "أنا الساذجة التي اندفعت.." أو "ليتني مت قبل أن أقول ..."
الكثير من الأسف والأسى خلفه الارتباط الشرطي بين الانطلاق الماتع والجزاء الأليم على غير ما يستحق المنطلق..
مرة بعد مرة يختفي من صورة الإنسان سحر الابتسامة وبراءة الطفولة وفورة الشباب وانطلاقة الحرية..
يصير بائسا سجينا خلف قضبان الحذر والسلامة ..
يحن لطفولته وجنون انطلاقاته وربما يبكي شوقا لصورة الإنسان منه التي تآكلت بفعل كل موقف شوه حقيقته وبالتالي سلوكه..
رفقا بخلق الله.. رفقا بالخواطر .. رفقا بالعطاءات التي تقدم في صحاف القلوب..
رفقا بهذا الكوكب الذي يفقد أمانه وسلامه مع سقوط كل نجم صادق..
فاطمة بنت الرفاعي