حقيقة أن الله خالق وقادر ورازق وحافظ ومنتقم وبصير وصمد ؛ لم تقنع الكثير من الناس بإفراده بالعبادة ..
وهو سبحانة لم يجبرهم قسرا على عبادته ؛ بل أمرهم بها طوعا دون إكراه ..
وحين أمر أنبياءه بتبليغ رسالاته أمرهم بالدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ..
قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ)
أي أن ربوبيته ورزقه وعطاءه ليست حصرا على العابدين الطائعين ..
لكن شرط العبادة أن تكون طوعا بعقيدة ميزانها خوف ورجاء ونصابها محبة وإقبال عليه سبحانه ورغبة في مرضاته ..
هو الله بملكوته واستغنائه وقدرته على خلقه وغلبته عليهم لم يجبرهم على عبادته وتوحيده ..
هذه السنة الكونية تتكرر بأشكال مختلفة ..
تأمل معي محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم لعمه ؛ لكن هذه المحبة لم تقنع أبا طالب بالدخول في الإسلام
سعة رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بقريش وأهله خاصة
لم ترد أبا جهل عن عتوه في التربص بالإسلام ، ولم ترفع عن أبي لهب قرآنا يتلى في غيه وفي امرأته إلى يوم القيامة ..
ألا نتأمل ونتعلم ...
هل نحن أكرم من رسول الله ﷺ على قدر الله وقد ساءه من عتو قومه وغيرهم وهو راغب في إسلامهم؟
هل نحن أعظم قدرا من الله سبحانه وتعالى عياذا بالله وقد كفر وأشرك بوحدانيته الكثير ؟
هل نحن أفصح ألسنة من رسل الله عليهم الصلاة والسلام وقد يأتي النبي وليس معه أحد؟
لماذا نصر قهرا وقسرا على إجبار الناس على ما لا تعتقد وقصرهم على ما لا يحبون ؟
لماذا لا نترك كل نفس بما كسبت تمضي حيث شاءت ؟
لماذا نصر على تقاضي ثمن المحبة من حريات الآخرين؟
لماذا نستنزف إقبال الناس علينا بتحمليهم فوق ما يطيقون ؟
لماذا نمارس دور الوصاية الجائرة التي نزه الله نفسه عنها بإصدار أحكام مسبقة زاعمة ما وراء الحقيقة ؟
لماذا يغتاظ البعض من أن يعيش الناس أحرارا بلا قيود بشرية وفروض منغصة ؟
لماذا لا نرتعد حين تلمس لجة بحر الظلم أقدامنا بل نغرق فيه حتى رؤوسنا ؟
لماذا يكون ثمن الغفران البشري قيدا وأغلالا ؟
هل نكست فطرنا لهذا الحد ؟
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
هل تأملت هذه الآية؟
يا أيها الذين آمنوا : ذوي المرتبة الفضلى من الإيمان
اتقوا الله : وحده دون ما سواه
حق تقاته : دون تراخي أو مشاركة غيره معه
ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون : ما أسهلها وما أكثر غيابها عن دنيانا
عش مسلما لله مستسلما لقضائه مسالما لخلقه سالما من ظلمهم ..
عامل الناس بمحبة خالصة وعطاء دفاق ورحمة مدرارة ، ولا تنتظر منهم شكرا ولا برا ولا رد معروف ..
لا تحزن إذا تقاذفت التهم عليك فقد قالوا عن الله : ثالث ثلاثة ،وقالوا عن نبيه صلى الله عليه وسلم : ساحر وكاهن ومجنون ؛ فمن نحن حتى نسلم ؟..
لا تطالب أحدا بفهم حدثات خاطرك وتجليات روحك ومداد محبتك ؛ فلو عرف لما ألجأك للإفصاح ..
كن نقيا طاهرا كماء البحر لا ينجس ، صافيا كنبع النهر لا يتكدر
كن عفيفا أبيا لا تزل بك نفسك في أوحال الظلم مهما أذاقوك من مره ..
عش كريما نبيلا مستغنيا واثقا بما عند الله راضيا بقضائه زاهدا فيما قسمه لخلقه ..
عندها يطيب الموت سلاما ..
بقلم : فاطمة بنت الرفاعي