ربما يتفاجئ القارئ من عنوان المقال، ما علاقة الجمهورية التركية بالمشروع الإسرائيلي في قلب الوطن العربي!؟ أقول لأن التاريخ يعيد نفسه بطريقةٍ ما أو بأخرى، وتركية جزء من التاريخ الإسلامي في المنطقة العربية، فقد حكمت الإمبراطورية العثمانية ما يزيد عن ستة قرون، لذلك تعتبر الجيوبوليتك مهمة جدًا في عالم السياسة.
بالرغم من أن الجمهورية التركية تحكم بموجب دستورها بالعَلمانية؛ هذا لا ينفي أنها دولة مسلمة، حكمت العالم العربي والإسلامي عدة قرون، وبالتالي فإن تربّعها في منطقة استراتيجية بين قارتي آسيا وأوروبا؛ فهي بحد ذاتها تهدّد وجود المشروع الإسرائيلي في المنطقة العربية.
منذ أن تحرّرت سورية بتاريخ الثامن من ديسمبر عام 2024م؛ والتصريحات الإسرائيلية لم تهدأ بخصوص وصول الثوار الإسلاميين سدّة الحكم السياسي في دمشق، وهذا يعد تحدٍ آخر لدولة إسرائيل، نعم لقد تقدم الجيش الإسرائيلي في بعض مناطق الجنوب السوري على حساب استغلال سقوط عرش النظام البائد "بشار الأسد" واختراق هدنة عام 1974م الموقعة بين سورية وإسرائيل بعد حرب تشرين، واليهود يعتبرون جبهة سورية؛ هي جبهة سابعة يفرضون عليها مشروعهم التوسعي بالقوة.
وبالتزامن مع تصريحات الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" عن وحدة الأراضي السورية واستقلالها ودعم مشاريع السكك الحديدية فيها؛ يظهر التخوّف الإسرائيلي مجددًا على العلن، عن طريق لجنة إسرائيلية متخصصة، تُعنى بتقديم توصيات بشأن السياسيات الأمنية والاستراتيجية لصالح إسرائيل وتدعى لجنة "ناغل".
لقد قدمت لجنة "ناغل" لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" عن أن هناك قوة سنية متطرفة تخدم تركية، وهي أخطر من المشروع الإيراني بألف مرة، وأن المسلمين السنة؛ هم أخطر من المسلمين الشيعة، فيجب التعامل بحذر وتطوير الخبرات والدفاعات العسكرية.
والآن إنَّ توغل الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ؛ قد يسمح لهم بإنشاء شبكة رادارات وأجهزة تجسس، وسوف يكشفون مناطقًا شاسعة من سورية ولبنان حتى جنوب تركية، والأردن وسيناء وشمال السعودية، والشمال الشرقي لمصر وشرق العراق، كلها سوف تصبح تحت المراقبة الإسرائيلية الدائمة، ونتنياهو بالفعل يريد أن يكون فاعلًا استراتيجيًا مهمًا في سورية الجديدة في ظل التغيرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وبالطبع سوف يقابَل النشاط التركي في الشمال؛ بنشاط في الجنوب السوري، حيث بدأ اليهود عملهم في بث النعرات الطائفية لتفيت سورية الجديدة، وكانت البداية مع طائفة الدروز الموحدين في محافظة السويداء، كما تركز الصحافة الإسرائيلية على الدروز والإضطهاد الذي يعيشونه، ويريدون ضم السويداء إليهم أو العمل على استقلالها سياسيًا واقتصاديًا عن باقي التراب السوري، وبالفعل شهدت الساحة السورية بعض من تصريحات حملت هذه المسميات، وقد نشر التلفزيون الإسرائيلي مقطعًا وهو يحاور أحد الدروز في محافظة السويداء، حيث يشترط إقامة دولة عَلمانية؛ وإلا فإن خيار الانضمام إلى إسرائيل مطروح.
وكذلك ربما يعمل اليهود على إطالة عمر تواجد (قسد) قوات سورية الديمقراطية في الشمال الشرقي لسورية، إلى حين القضاء على النظام الإيراني أو تحييد خطره بالكامل.
نشر موقع "موندويس" الأميركي بالأمس مقالًا للصحفي والكاتب الفلسطيني "قسام معادي" يتتبع فيه مصطلح "إسرائيل الكبرى" لدى اليهود المتطرفين و "الصهيونية الدينية" عبر القرون، وما وصل إليه خلال العقود الماضية من الصراع العربي الإسرائيلي وحتى دخول جيش الاحتلال سورية أخيرا، وقال:
إنَّ الطموحات الإقليمية الواسعة لإنشاء "إسرائيل الكبرى" تبدو ذات يوم مجرد خيال صهيوني يميني، وإن الخرائط المستخدمة لوصف الرؤية غالبًا ما تعكس قصصًا توراتية يعتبرها العديد من الصهاينة مجرد تاريخ، واليوم تظهر الأحداث الجارية في غزة ولبنان وسورية؛ أنه قد تكون هذه الرؤية أقرب للتحقق مما كان يعتقد الكثيرون، ولكن الأحداث السريعة التطور في لبنان وسورية خلال الأشهر الأخيرة؛ أعادت إحياء الأوهام حول نسخة متطرفة من "إسرائيل الكبرى" في الخطاب الإسرائيلي.
إن مطالب إسرائيل بإنشاء منطقة عازلة داخل لبنان، إلى جانب غزوها للأراضي السورية بعد انهيار نظام بشار الأسد؛ قد وسعت الخريطة المتخيلة لإسرائيل الكبرى، ومع ورود تقارير عن وصول القوات الإسرائيلية إلى ما يقرب من 23 كيلومترًا من دمشق، بدأ المتطرفون الدينيون الإسرائيليون في إعادة الخطاب التوراتي لوصف طموحاتهم الإقليمية".
ويوم الخميس الماضي، ذهبت مجموعة من الإسرائيليين الأرثوذكس المتدينين إلى قمة جبل الشيخ في سورية، التي دخلها الجيش الإسرائيلي أخيرًا، وأقاموا احتفالًا دينيًا هناك، تحت أنظار الجنود الإسرائيليين، وطالبوا بعض الحاخامات جميع اليهود؛ بعدم تضييع الفرصة التاريخية لتحقيق نبوءة التوراة.
أخيرًا.. إنَّ معالم المشروع الإسرائيلي بإنشاء دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات؛ بدأ ينكشف، والعديد من الصحف والكتّاب الغربيون أصبحوا على دراية تامة بأنه توجد خطط يهودية للاستيلاء الدائم على أجزاء من لبنان وغزة وسورية، وتعد تركية جزءًا من هذا المخطط، فهي لاعب استراتيجي إقليمي قوي في المنطقة العربية، مما يضعها أمام تحديات كبيرة ضد إسرائيل في الساحة السورية.
صرح وزير المالية اليهودي "بتسئيل ستموتريتش": "القدس تمتد إلى دمشق، والدولة اليهودية تمتد خطوة خطوة". كما أعلن أحد الضباط في الموساد الإسرائيلي لقناة CNN الأمريكية: "نحن نخلق عالمًا وهميًا، نحن فيه شركة الإنتاج العالمية، ونحن كتّاب السيناريو والمخرجون والمنتجون والممثلون الرئيسيون، والعالم هو مسرحنا".
كتابة: الأغيد السيد علي
تعليق من الاستاذ محمد بن عزة:
شكرا أستاذ أغيد على هذا المقال الذي يصب في صميم النهضة :
إذ يعد مجال الجيوبوليتيك محور الوعي النهضوي التطبيقي بالفعل...
كما تضمن المقال نموذج من السياسة الإستعمارية التوسعية عبر قضم مستمر للوحدة الترابية للدول (نموذج السويداء في سوريا)
مما يجعل هذا النموذج مثالا لعدد مشابه من معاول هذه السياسة الدولية والغربية عموما
وهذا يحقق وعيا جماعيا عند النهضويين في العالم الإسلامي حتى يعلموا وينتبهوا الى الإتجاه الحقيقي المعيق للنهضة:
إنه تقسيم المقسم ،وإشعال حروب التآكل الداخلي للجغرافيا الحضارية للآخرين
كما يتضمن المقال وعيا بما يجب أن يكون أساس التحالفات:
أي الأساس الحضاري التاريخي الكلي الجامع لأكبر قدر من المشتركات إضافة الى الوحدة الترابية، وليس التحالفات المعاكسة الممزقة لهذه الارضية الاكثر رسوخا وأمنا
وهذا يتجلى في المقال في دور تركيا نسبة الى الحالة الجيوسياسية العربية...عكس التحالفات التي تتغذى على إشعال الطائفيات والتناقضات المليشياوية تلك التي تصب في صالح القضم المشار إليه أعلاه.