كثيرا ما نسقط في فخه ونحن مثقلون من وعثاء السفر الطويل وجهد البلاء على غير توفيق..
نسير في الرمضاء طويلا لاهثون عطشا وخوفا فيغرينا السراب على أطراف الأودية المقفرة فنهرول إليه فنجد القاع يبابا..
نلوم الحظ ونوبخه ..
ولا نكاد ندرك عينا رقراقة كل ذنبها أنها انحرفت عن بؤرة الرؤية قليلا..
هل خاننا الحظ أم أنهكنا التعب وأسأنا التقدير؟
ماذنب الجدول الفياض إذا لم يراه الهائم المتعب؟
ماذنب الوادي الأجرد إذا ظننته ماء وقد يكون للنفائس منجما؟
توقف قليلا وافرك عينيك وصحح البوصلة قبل أن تفوت عليك فرص النجاة..
نعم.. خانك الصبر وشطت بك الدر..
ولم يطق الفؤاد ما ألم به وقد أعياه تذكار..
ولكن لابد أن نكمل فما زالت الفصول متعاقبة والفرص متوالية..
لم يخنك الحظ ولم تخطئ قدماك طريقها.. فكل ميسر لما خلق له..
لا الحظ خان ولا الصدف خابت ولكنه قدر الله يصنعك على عينه ويصقل جوهرك بعنايته ليهيئك لأمر عظيم لا يكاد عقلك القاصر يدركه..
أحسن الظن وعدل البوصلة فقد يكون للواقع حقيقة أخرى غير الذي رأيت..
جرب أن تقرأ الكتاب بمنظور آخر؛ دون أن تسقط عليه أحكاما مسبقة لنماذج قد تبدو لك متشابهة..
أن تخطئ في التبرئة خير من أن تخطئ في العقوبة..
وأن تندم على ما فعلت خير من أن تقضي عمرك آسفا على مالم تفعل..
نعم.. قد تلوم نفسك كثيرا على مهاوِ أرداك إياها حسن ظن، يلاحقه لوم عليه ومستشعرات تتفحص كل متغيراتك تقارن كل ما يدور حولك بتلك المهاوي..
لكنك بهذا تدفع الثمن مرتين.. مرة حين أخطأت التقدير.. ومرة حين أسأت الظن بكل شيء فحرمت مغانم ربما تكون عوضا عما مضى..
أقبل باندفاع الطفولة وقلب لم يعرف الأسى يوما وقدم الاستخارة كلما ارتجف قلبك وارتعدت أوصالك..
لكن لا تحرم روحك الحياة ولا تقيم السرادق وزفراتك تتابع..
ستسأل عن هذا الحرمان والهم.. فهذا ما لا يرضه الله لك..
"أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"
"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"
فاطمة بنت الرفاعي