رباب:
هناك آية لم أقتنع بتفسير ابن كثير لها. ساعدني في حل اللغز.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا" (التوبة: 28)
"وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِّمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُۥ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَا ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ" (البقرة: 114)
هناك آراء عديدة فيما يخص حكم دخول الكافر للمساجد بين الجواز والتحريم، ولكن هناك إجماع على تحريم دخول الكافر الحرم بشكل خاص. وخطر لي مباشرة مساجد إسطنبول الغاصة بالسياح. ما حكمهم إذًا؟
يخطر لي أن مجرد فكرة منع الآخرين من دخول دور عبادتك بسبب اختلافهم عنك في المذهب، فيها طعن صريح لمبدأ "التعايش والانفتاح على الآخر"، وفيها إقصاء وتصنيف. ربما لو سمحت لهم بالدخول والجلوس في الجوامع، والإحساس بروحانية المكان، وعرفتهم على الصلاة وغاياتها، يهديهم الله ويشرح صدورهم للإسلام بسببك.
وصف المشركين في الآية الأولى بـ "نجس"، ما معناه تحديدًا؟
وكأنها أعطت رخصة للمسلمين أن يحتقروا الكفار ويشعروا بالفوقية، ولسان حالهم يقول: "ما دام الله تعالى ذكر لنا أن الكفار هم النجس، إذًا نحن المطهرون." وهذا يتنافى تمامًا مع مبدأ الكرامة الإنسانية.
المعلم:
"إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ" ليس بالمعنى الحسي، فنحن لا نتوضأ من السلام على الكافر، ولكن النجاسة هنا هي النجاسة المعنوية التي تمس بالتوحيد.
المنع فقط من دخول الحرم المكي باعتباره رمزًا للتوحيد، أما بقية المساجد فهي المكان الذي كان يأتيه الكفار للحديث مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقشته.
الشرك حينها كان مقرونًا بالعداوة الضارية والحرب، ومن الواضح أن اللغة نزلت بخطاب مكافئ لتلك الحالة.
النظر إلى النسق يُنَجِّي من الزلل، فقول الله عز وجل: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ" أو قوله "وَمِنْهُمْ قِسِّيسُونَ وَرُهْبَانٌ وَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ"، هكذا تتوازن الصورة. حشد الآيات ومقابلتها وفهم دائرة عمل كل آية هو صمام أمان.
رباب:
تمام، معلمي. النظر إلى النسق صمام من الزلل ومفتاح للفهم. علم الأنساق القرآنية ضروري وأساسي لكل متدبر لكتاب الله.