رباب:
هناك اشكال يواجهني في تفسير هذه الآية الكريمة :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " (الحجرات: 13) .
تبدو بدايتها موجهة للعالمين، ولكن أليس مفهوم "تقوى الله" خاصًا بالمسلمين فقط ؟ أم هناك مفهوم آخر للتقوى يخص العالمين؟
المعلم:
الآية بدأت بـ"يا أيها الناس"، ولا يوجد ما يصرفها عن ظاهرها.
رباب:
التقوى في الإسلام هي التزام بما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه. فما هي التقوى الخاصة بالعالمين ؟
المعلم:
هناك "أمر" في الجملة وهناك "خبر". فما هما؟
رباب:
"لتعارفوا" هو الأمر، و"إن أكرمكم عند الله أتقاكم" هو الخبر.
المعلم:
أي بمعنى أنه بمقدار ما تتعارفون بشكل صحيح وتتقون العهود والمواثيق بينكم، تزدادون كرامة عند الله.
رباب:
الأمر المدهش أن هؤلاء العالمين (غير المسلمين) لهم اعتبار عند رب العالمين (رغم كفرهم)، بل وهم داخلون معنا (نحن المسلمين) في سباق التقوى. ولكن تقواهم لها معياره الخاص بهم فما هو ؟ .
المعلم:
صحيح. الخطاب للعالمين بكل أطيافهم ومذاهبهم. وهناك مسألتان:
المسألة الأولى: الأمر بالتعارف الإنساني وآلياته وشروطه وكل ما يتعلق بزيادة فعاليته في العالمين.
المسألة الثانية: مقياس التفاضل بين هؤلاء العالمين (غير المسلمين) هو التقوى.
التقوى بالنسبة للمسلم، على اعتبار أنه عَلِم الحق، هي (اتباع منهج الإسلام بالتزام أوامر الله واجتناب نواهيه)، أما التقوى بالنسبة للعالمي (غير المسلم)، فتتعلق بمعيارين:
1. مقدار حساسية قلبه تجاه الحق والحقيقة (درجة صفائه).
2. مقدار اتباعه للحق إذا علمه.
رباب:
ولكن لماذا يخبرنا الله تعالى ما هو مقياس التقوى الخاص بهم؟ لماذا يهمه أن نعرف؟
المعلم:
فقط انظري لآيتين قبلها وبعدها يتضح المعنى. السورة تتعلق بمجموعة آداب تتعلق بالسكن والزيارة ومخاطبة الرسول، وتنبه المجتمع الجديد على قضية التنوع البشري في ظل وحدة الأصل. وأن التنوع يحتاج لعبور حاجز الاختلاف إلى منطقة "التفهم ثم التفاهم"، ثم إن لزم التعاقد على أسس العيش المشترك.
نسق "لتعارفوا" سيندك في نسق "التعايش" ويصبح جزء من "النسق الاجتماعي" الكلي للقرآن.
رباب:
استوقفتني كلمة "يندك"، مثل الطوبة تمامًا يدكها البناء في الجدار.
الجدار = نسق التعايش
الطوبة = تعارفوا
سورة الحجرات جميلة بالفعل. سورة الأدب والذوق والرقي. حتى آية التعارف تعلمنا طريقة التعامل الراقية مع الآخر المختلف، وتعلمنا أن نتواضع ولا نغتر بإسلامنا الذي هو منة وفضل من الله قدره علينا. وأن لا نتجاوز مساحاتنا الخاصة إلى مساحات الآخرين بالتحقير أو إطلاق الأحكام القطعية، بل نضبطها بقوانين التعايش التي عنوانها: "رحمة . بر. قسط".
المعلم: صحيح
كتابة: م. رباب قاسمو