استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

أولويات العمل المدني في سوريا: التحديات الحالية والفرص المستقبلية

لقاء د. جاسم السلطان مع قادة المجتمع المدني السوري: ملخص بأهم المحاور


تم استعراض السياق الراهن والتحديات التي تواجه سوريا داخليًا وخارجيًا، مع التركيز على تحديد الرؤية طويلة المدى والأولويات التي يجب أن يتبناها قادة العمل المدني. كما تم التطلع إلى إنشاء مساحة للتفكير والتخطيط المشترك لتلبية احتياجات المرحلة الحالية وبناء أساس قوي لمستقبل سوريا.

المحور الأول : ما هي المشاكل المستقبلية المحتملة؟

1. الفساد: مع بدء عمليات إعادة الإعمار وتدفق الأموال، يزداد الفساد بسرعة، حيث يتوطن الفاسدون سريعًا لتثبيت أوضاعهم.
2. استقطاب الكفاءات: غالبًا ما ينجذب الناس للعمل السياسي على حساب العمل المدني، مما يؤدي إلى انسحاب الكفاءات من هذا المجال.
3. نقص الموارد: نقص الأموال والموارد يشكل تحديًا، حيث تسعى الأحزاب إلى دمج العمل المدني في العملية السياسية بدلًا من أن يكون رقيبًا عليها.
4. التوجيه الخارجي: تسعى بعض المنظمات الدولية إلى تمويل جهات داخل الدولة لتحقيق أهدافها، بينما قد تستخدم الدولة المجتمع المدني لصالحها ولتعزيز الاستبداد.

المحور  الثاني : تحديات العمل المدني في سوريا 

1. مصالحة وحوار وطني:
o يُعد العمل المدني والرؤية الكلية جزءًا أساسيًا من عملية المصالحة الوطنية. الهدف هو إنشاء مجتمع متصالح مع ذاته، وهو أمر يحتاج إلى وقت وجهد لتنفيذه.
2. تطوير التعليم:
o يلعب العمل المدني دورًا كبيرًا في تطوير التعليم في سوريا، حيث يجب توفير تعليم يتماشى مع العصر الرقمي ويلبي احتياجات الصناعات المختلفة مثل الزراعة والتجارة والمنافسة في الأسواق الدولية.
3. تطوير الصحة:
o في بيئة ما بعد الحروب، تلعب الأمراض النفسية دورًا كبيرًا، لذلك يحتاج القطاع الصحي، وخاصة القطاع النفسي، إلى دعم قوي لتوفير الخدمات اللازمة للمتضررين.
4. إعادة الإعمار والإسكان:
o إعادة الإعمار تمثل تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل مشكلة الإسكان والطبقات الاجتماعية المتضررة. إذا لم تُنظم عودة اللاجئين إلى مناطقهم، فإن المدن ستكتظ بالناس الذين يعانون من نقص في السكن.
5. تعزيز الديمقراطية:
o الديمقراطية في سوريا تحتاج إلى بناء أسس قوية. إذا لم يتم ذلك، يمكن أن تتحول الديمقراطية سريعًا إلى طائفية أو مناطقية أو مذهبية، مما يقوض التنمية المجتمعية ويحول آليات الديمقراطية إلى آليات تخريبية.
6. دور منظمات المجتمع المدني:
o تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا كبيرًا في التنوير وفي تأسيس البنى السياسية المستقبلية، مثل البرلمان أو مجلس الشورى. هذه المنظمات تعمل على تجنب التحديات الناجمة عن التقاليد المجتمعية المتخلفة.
7. التمكين الاقتصادي والاجتماعي:
o العديد من الشباب لن يتمكنوا من الانخراط في العمل العسكري، لذلك يحتاجون إلى تأهيل مهني لتمكينهم من الانخراط في مجالات العمل التجاري. المشاريع الصغيرة يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في تمويل وتدريب الأفراد.
8. العدالة الانتقالية:
o من أبرز مهام المجتمع المدني، تيسير العدالة الانتقالية، التي تساهم في تهذيب المطالبات بالعدالة داخل المجتمع بعد مرحلة الصراع.
9. محاربة الفساد:
o الفساد ينتشر بسرعة، والفاسدون يتأقلمون مع أي نظام سياسي. يشكل هذا تهديدًا للمجتمع المدني، حيث يتغلغل الفاسدون في مراكز القوة والمال، مما يؤدي إلى نشر الفساد في البيئة الجديدة.
10. التعاون الدولي والحفاظ على الاستقلالية:
o رغم أهمية التعاون الدولي، تبقى مسألة الحفاظ على استقلالية العمل المدني أمرًا صعبًا في ظل تدخل الأجندات الخارجية، كما حدث في مصر حيث تم طرد منظمات المجتمع المدني بسبب تمويلها من جهات خارجية.
11. مشاكل إضافية تواجه العمل المدني:
o الانقسام الطائفي: يشكل الانقسام الطائفي تحديًا إضافيًا يعوق الوحدة الوطنية.
o التدخل السياسي: تدخل الأحزاب والحكومة في العمل المدني يشكل عائقًا أمام تطور هذا القطاع.
o تأمين تمويل مستمر واستقلالية العمل المدني في سوريا، بعيدًا عن التأثيرات السياسية، ليس سهلاً لكنه ممكن ويعد أساسًا لتحقيق أهداف العمل المدني في البيئة الجديدة.
12. إرباك المشروع الديني:
o طرح قضايا دينية مثيرة للجدل، مثل الجزية، يمثل تهديدًا للاستقرار الوطني. يجب أن تُستبدل هذه القضايا بمفهوم المواطنة الذي يعزز الاستقرار ويضمن حقوق جميع المواطنين في سوريا.
o الدولة الجديدة في سوريا ستواجه تحديات كبيرة في التوفيق بين التيارات الدينية المختلفة ومتطلبات الدولة المدنية. هناك صراع بين التيار التقليدي الذي يواجه قضايا مثل حقوق المرأة والديمقراطية، والتي تُعتبر مسائل فقهية، وبين التيار الوسطي الذي يحاول الجمع بين الدين والدولة المدنية. هذه التحديات قد تؤدي إلى انفجار الصراعات إذا لم يتم التعامل معها بعناية. بالإضافة إلى ذلك، يعاني المجتمع من صعوبة التوفيق بين الأفكار التراثية القديمة ومتطلبات العصر الحديث، مما يسبب إرباكًا ويزيد من الانقسامات. وتتمثل إحدى أبرز القضايا في القبول بالآخر، حيث يُنظر إليه في بعض الأحيان على أنه أمر مؤقت. ولحل هذه التحديات، يحتاج المجتمع المدني إلى تطوير رؤية دينية معاصرة توازن بين الدين ومتطلبات العصر الحديث، مع بناء دولة قانونية تحمي هذه المؤسسات، وهو تحدٍ كبير يتطلب جهودًا مستمرة ومتكاملة.

المحور الثالث : إشكالات وحلول 

الإشكال الأول : 
 كيف يمكن فصل العمل المدني عن السياسي، خاصة في ظل محاولات بعض الأحزاب والسياسيين التنافس مع المنظمات أو التأثير على برامجها المجتمعية؟ وكيف ننتقل من العمل في غياب الدولة إلى العمل مع وجودها، بحيث يكون الانتقال سلسًا ومشتركًا بين المنظمات والدولة دون تأثير سلبي على تقديم الخدمات؟ خاصة أن العلاقة بين المنظمات والحكومة الجديدة لم تكن دائمًا ودية، مثلما حدث في شمال غرب سوريا مع الحكومة المؤقتة. كيف يمكن توضيح دور المجتمع المدني في المرحلة القادمة لتجنب التضارب مع الدولة وتعزيز التعاون والمساءلة بين الطرفين؟
الجواب: 
أعتقد أننا بحاجة لدخول "منحنى التعلم"، حيث لا توجد وصفة جاهزة. الحكومة القادمة تحمل إرثًا من الأفكار التي لا يمكن أن تتحول بين عشية وضحاها إلى حكومة حداثية مدنية. سيستغرق الأمر وقتًا للتفاهم مع المجتمع المدني وتقبل القوى الأخرى داخل المجتمع. إذا تم تطبيق النظام الجديد الذي ينبع من القوى الاجتماعية عبر مجالس منتخبة، فسيكون ذلك نقلة نوعية، حيث سيؤدي إلى تنظيم الأمور وفقًا للقانون.
من المجازفة القول إن القوى الجديدة في السلطة ليست في مرحلة تعلم، فهي ستتعلم من تجربتها الحالية كما تعلمت من السابق. الخوف ليس من هذه القوى بل من القوى المستترة في المجتمع التي لم تتعامل مع العالم الخارجي. التحدي سيكون في الانتقال من الفصائلية إلى الدولة، لكن هذا سيحدث عبر منحنى تعلم طويل.
التحدي الأكبر قد يكون وجود تضارب بين المنظمات داخل الدولة، ولكن مع تنظيم الأمور بالقانون، سيتم ضبط العلاقة بين الطرفين بشكل مناسب.
▪▪▪▪▪▪
الإشكال الثاني: 
كيف يمكن للمجتمع السوري الحفاظ على هويته الثقافية في ظل الاستقطاب الدولي والتأثيرات الخارجية، مثل محاولات فرض تغييرات ثقافية كالشذوذ مثلا، دون الانقطاع عن العالم؟
الجواب:
يجب علينا تجاوز بعض الأفكار المسبقة، مثل الربط بين الحرية وشرعنة الشذوذ، فالحريات تتعدد ولها أبعاد كثيرة ولا يمكن حصرها في إطار ضيق. الشذوذ والفساد كانا موجودين في جميع العصور، ولم يكن العصر النبوي خاليًا من هذه الظواهر. الحياة لا تتوقف بسبب إغلاق باب واحد، بل يجب أن نفتح الأبواب الأخرى التي قد تحمل الخير. الدعوة إلى الخير تسهم في تقليص التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن بعض الأفكار.
العالم مليء بالصراعات والأيديولوجيات المتنوعة، ولكن يمكننا التعاون مع القوى التي تتفق معنا في بعض القضايا، مثل مكافحة الشذوذ، مع إبقاء الأبواب الأخرى مفتوحة للتقدم في العصر الجديد. الدولة العثمانية حُرمت المطبعة لمدة أكثر من 200 سنة، لأسباب واهية، مما شكل خطأ تاريخيًا جسيمًا. يجب أن نتجنب الوقوع في نفس الخطأ، ونستفيد من الفرص المتاحة في عصرنا.
▪▪▪▪▪▪

الإشكال الثالث : 
ماهي آليات الاستفادة من التيار الديني التقليدي في إعادة اللحمة بين مكونات المجتمع السوري؟ 
الجواب : 
التيار الديني التقليدي مهم للحفاظ على التماسك الاجتماعي داخل المجتمعات المختلفة، سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو غيرها. لكن يجب أن تبقى أدواره محدودة في الشؤون الدينية والعبادات مثل الصلاة والصيام، وألا يتعدى ذلك إلى فرض آراء في السياسة والاقتصاد، وهي مجالات لا يملك فيها الفقه التقليدي الكفاءة اللازمة.
مثال على ذلك هو النظام الإيراني، الذي أدرك أن الفقه التقليدي لا يكفي لإدارة الدولة، فأنشأ "مجلس تشخيص مصلحة النظام" ليتولى القضايا التي تتجاوز مستوى الفقهاء. كما أن فكرة البنوك الإسلامية نمت من فلسفة محمد باقر الصدر، لكن التطبيق الواقعي لها اصطدم بعقبات، مثل قرار إزالة الفائدة من البنوك، مما أدى إلى استقالة رؤساء البنوك. وحين عرضوا المشكلة على مجلس تشخيص مصلحة النظام، تم الفصل بين الجوانب الدينية والإدارية.
هذه الأمثلة توضح ضرورة وجود آليات تجعل الفقه التقليدي يتعاون مع التخصصات الحديثة لتلبية احتياجات العصر الحالي دون التنازل عن الأسس الدينية.
▪▪▪▪▪▪
الإشكال الرابع: 
في ظل الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في سوريا، كيف يمكن إعادة بناء المجتمع باستخدام الموارد المحلية؟
الجواب : 
قضية الموارد السورية والبناء في الدولة لا تمثل مصدر قلق للسوريين، فالشعب السوري لديه تاريخ طويل في التجارة والصناعة منذ الخمسينات والاربعينات. الجزء الأكبر من السوريين قد تمتع بكفاءات وعقليات متحضرة قادرة على التفاعل مع العالم الخارجي. لذلك، لا داعي للقلق بشأن تدفق الأموال والتنمية في سوريا، طالما أن هناك قوانين تحمي رأس المال داخل الدولة..
الاستثمار في سوريا سيكون جذابًا للغاية، لأن حجم البنية التحتية المطلوبة لإعادة الإعمار يعزز من جاذبية السوق السورية للمستثمرين. كما حدث في سنغافورة، حيث جذبوا الاستثمارات من خلال توفير نظام قانوني شفاف يحمي رأس المال. في الوقت الحالي، يبحث رأس المال العالمي عن فرص استثمارية، وسوريا يمكن أن تكون واحدة من أفضل الأماكن لاستقبال هذه الاستثمارات.
▪▪▪▪▪▪

الإشكال الخامس:
خلال زيارتنا لسوريا بعد التحرير، اكتشفنا فجوة كبيرة بين المنظمات المدنية في مناطق سيطرة النظام وتلك التي تعمل خارجها. هل هناك آليات لسد هذه الفجوة، أم أن الوقت هو العامل الحاسم؟
الجواب:
بالنسبة للمنظمات التي كانت تعمل داخل مناطق سيطرة النظام وتلك التي تعمل خارجها، فإن الوضع يشبه إلى حد كبير ما حدث في ألمانيا. فقد كان السؤال حينها حول كيفية دمج الاقتصاد الاشتراكي في ألمانيا الشرقية مع النظام الرأسمالي في ألمانيا الغربية. لا شك أن هناك تحديات، ولكن من الممكن تجاوزها بجهود مناسبة، وهو ما نجح فيه الألمان.
▪▪▪▪▪▪

الإشكال السادس:
كيف يمكن تحقيق التوازن بين الاستقلالية والتمويل، خاصة في ظل تأثير توجهات الدول الممولة؟
الجواب:
في رأيي، نحتاج إلى تصميم برامج توعية تشرح الطرق التي تستخدمها المنظمات الإقليمية والدولية والأحزاب السياسية في محاولة السيطرة على العمل المدني. يجب إنشاء آليات للتنبيه بهذه المخاطر، فهذا جزء أساسي من العمل المطلوب. فكما تسعى الأنظمة إلى توظيف كل شيء لصالحها، تسعى الأحزاب والحكومات للهيمنة على المجتمع المدني. لهذا، يجب أن نُعزز ثقافة تحصّن الأفراد من هذه التدخلات. من الممكن أن يُنشأ مجلس لمتابعة أنواع التدخلات وتقديم النصائح للحد من هذه الظاهرة. ورغم صعوبة القضاء عليها تمامًا، فإن الحكومات والأحزاب والدول الإقليمية والدولية ستظل تسعى للهيمنة على المجتمع المدني. لذا يجب أن تكون علاقتنا مع الآخرين علاقة تمكين، لا تحكم.
▪▪▪▪▪▪


الإشكال السابع : 
كيف تستطيع منظمات المجتمع المدني تحصين البلد من عودة الاستبداد؟
الإجابة:
الاستبداد هو حالة كامنة في النفوس ولا يمكن التخلص منه تمامًا، إذ يظل موجودًا في المجتمع. على سبيل المثال، فكرة الاستبداد هي التي أدت إلى اغتيال دولة الخلافة، عندما قرر البعض أن الآليات القائمة غير ضرورية، فسيطر شخص واحد على السلطة، ومع مرور الوقت تحول النظام إلى استبدادي تحت حكم أسرة واحدة، كما حدث في الدولة الأموية. لذلك، يجب مكافحة الاستبداد باستخدام طرق عدة، أهمها زيادة الوعي بحرياتنا وكرامتنا كبشر. الوعي وحده ليس كافيًا، بل يجب المطالبة المستمرة بهذه الحريات، كما تحدث هيغل عن "صيرورة التاريخ" حيث يمكن أن تكون بعض المجتمعات واعية لحاجتها للحرية وتعمل على تحقيقها، بينما مجتمعات أخرى قد تتنازل عن هذه الحريات عند أول تحدٍ.
المكافحة الفعالة للاستبداد تبدأ من الوعي بأنماطه وأشكاله، وهذا ما تناوله الكثير من المفكرين مثل الكواكبي . العصر الحديث يزخر بالكتابات التي تدعو لمكافحة الاستبداد، بما في ذلك من خلال سن القوانين. كما أن الاستبداد ليس مقصورًا على القوي، فقد يسعى الضعيف أيضًا لتحقيقه. لذلك، يجب أن تكون هناك آليات مبكرة لرصد الاستبداد في المجتمع.
في فترات الربيع العربي، طرح بعض الشباب فكرة تأسيس "حساس اجتماعي" ضد التحريض الطائفي والمذهبي الذي يمكن أن يمارسه بعض المساجد والكنائس، بحيث يتم توجيه هذه الخطابات قبل أن تتحول إلى كوارث اجتماعية. يجب أن يكون هناك تحالف بين الطوائف لمراقبة نفسها وضبط المعايير الاجتماعية لضمان عدم انهيار البناء الاجتماعي. يحتاج ذلك إلى كتلة حرجة من الناس من مختلف الطوائف الذين يتفقون على قضايا البر والعدالة الاجتماعية.
من الضروري أيضًا توفير آليات للتنفيس عن الأشخاص الذين يشعرون بالظلم، بحيث يمكنهم التوجه إلى جهة معينة لعرض مظلومياتهم ومتابعة عملية حلها. هذه العمليات تحتاج إلى مؤسسات قوية ومبدعة في بناء الحلول المستدامة. قد نمر في مرحلة تعلم مستمر لتطوير هذه الآليات، لكن في النهاية يمكننا خلق مجتمع أفضل قادر على مكافحة التشدد، العنصرية، والاستبداد. إذا تمكنا من نشر الوعي وتهيئة الآليات اللازمة، سنتمكن من الوقاية من الاستبداد وتحقيق التحولات اللازمة لحماية المجتمع من عواقبه.
▪▪▪▪▪▪

الإشكال الثامن:
لدينا تفكك مجتمعي كبير تسبب به سنوات النظام والتحريض بين السوريين، وخاصة في مسألة الطائفية. ما هو دور المجتمع المدني في السلم الأهلي وإعادة اللحمة المجتمعية في سياق العدالة الانتقالية؟
الجواب:
الميزة الكبرى للمجتمع السوري أنه عانى من الطائفية بشكل كبير، دفع ثمنها على مدى 14 عامًا من المنافي والمذابح. لذا، لا يحتاج السوريون لمن يخبرهم بمخاطر الأزمة القادمة إذا تكرر نفس المسار. بالنسبة لي، لا أستحسن مصطلح "الأقليات"، فالسوريون هم سوريون، وهم جميعًا ينتمون إلى هذا الوطن المشترك.
التفكك الاجتماعي الذي حدث يتطلب ثقافة شاملة تتجاوز الحدود المذهبية والطائفية. البعض، خصوصًا على منصات التواصل الاجتماعي، قد يبدون استعدادهم للتخلي عن مبدأ التعايش بمجرد أن يظهر الطرف الآخر موقفًا مناوئًا لهم، ويعودون إلى إشكاليات قديمة. يجب أن نعي أن مشروع الأمة لا يجب أن يكون رهينًا لردود الفعل؛ بل يجب أن نؤمن بقضية التعايش ونعززها، مع التأكيد على أن القانون يجب أن يطبق على من يتجاوزها.
بعض الأطراف تثير النعرات بين الطوائف وتستفز ردود الأفعال، وهم يعلمون جيدًا ما يفعلون. لكن المعركة التي يسعون إليها ليست في صالح سوريا. علينا أن نتجنب فتح معارك تزيد من العبء على الحكومة والشعب، وأن نكون صادقين في رغبتنا في تعزيز الوحدة الاجتماعية بدلاً من التفرقة .الوعي الجمعي الذي نحتاجه يتطلب تنويرًا للعديد من القطاعات الشبابية. دور الشباب في هذا السياق بالغ الأهمية، إذ يجب أن يمتلكوا قوة تبشيرية حقيقية بأفكار تبني المجتمع الجديد، وأن يكونوا داعمين لهذا المشروع بدلاً من أن يكونوا رد فعل لما يفعله الآخرون.
▪▪▪▪▪▪

الإشكال التاسع : 
نحن نواجه العديد من الاشكالات في مجالات التنمية والسلم الأهلي وإعادة بناء المجتمع، وهي مسائل تتطلب كل اهتمامنا وطاقاتنا، كيف يمكننا طمأنة الأطراف الخارجية بينما نركز على تعزيز استقرارنا الداخلي؟  
الجواب : 
بالنسبة لتطمين الخارج، أرى أن القضية الأساسية التي يجب أن تشغلنا هي أن نكون صادقين مع أنفسنا أولاً. هذه ليست مهمة سهلة، لأنها تتطلب تحولاً داخلياً عميقاً يتجاوز تاريخنا وسقفنا السابق. على سبيل المثال، بناء دولة مدنية تقبل الآخر، والعبور إلى العصر الحديث، والانخراط في المجالات التقنية والتكنولوجية المعاصرة، وتطبيق حكم القانون، كلها قضايا تتجاوز ما اعتدنا عليه كمجتمعات مجزأة طائفياً وعرقياً وقبلياً. وبالتالي، التحدي الداخلي لإثبات مصداقيتنا لأنفسنا أهم من تحدي إثبات ذلك للخارج. صحيح أن العالم سيراقبنا ويضغط علينا، لكن إذا كنا صادقين مع أنفسنا في ما نقوم به، فإن هذا الضغط لا يعني الكثير ولن يعوقنا.
العديد من الدول بدأت بالتواصل مع الحكومة السورية لتبحث عن آفاق المستقبل. علينا أن نكون متوازنين؛ لا ننكسر أمام الضغط الخارجي، وفي الوقت نفسه لا نستعلي على الواقع. نحن نتعامل مع قوى عظمى في المنطقة، وسوريا  بشكل عام تمتلك قدر تفاوضي قوي، ولن نتمكن من التخلص من التأثيرات الإيرانية أو التركية أو الأوروبية أو حتى من بعض الدول في الجزيرة العربية، لأن جميع هذه القوى تتداخل في هذه المنطقة.
الهدف الرئيس هو تحسين قدرتنا على التفاوض مع الآخرين للحصول على مصالحنا، دون أن نخشى على مصالحهم. الثورة السورية قد نجحت في هذا المجال إلى حد ما، وفي هذا السياق، من الضروري أن نتجنب ازدواجية الخطاب وأن نتحلى بالاحترام لأنفسنا أولاً وأخيراً.
▪▪▪▪▪▪

الإشكال العاشر : 
ما هي الأدوات التي توصي باستخدامها لتحديد الأولويات الرئيسية لقادة العمل المدني خلال المرحلة الانتقالية؟
الجواب : 
عند تحديد الأولويات، من الأمور التي تحدثنا عنها كثيراً في محاضراتنا هي أن الآفات الموجودة في الفكر هي الأعمق وتحتاج إلى معالجة. إذا تحدثنا عن مركز الثقل، فإن الأولويات الحقيقية تبدأ بحاجات الناس البسيطين، مثل السكن والطعام والكهرباء والماء وفرص العمل، وهذه أولويات بالنسبة للفرد العادي. لكن ما يهدد المجتمعات هو الخلل الموجود في عالم الأفكار. الانقلاب من نظام مدني يدعو إلى الشورى إلى نظام ديكتاتوري أمر سهل جداً، لكن تكلفته عالية، كما حدث في سوريا، حيث أدى حكم شخص واحد إلى كوارث لا حدود لها.
في رأيي، الأولويات يجب أن تكون مرتبة، بداية من عالم الأفكار، ثم العلاقات والمشاريع. ولكننا نعمل على جميع هذه المسارات لأنها تتوازى. لكن الثقل الحقيقي يكمن في تغيير عالم الأفكار؛ فإذا لم يتغير هذا، سنعيد إنتاج نفس المشاكل دون أن نشعر.
▪▪▪▪▪▪
الإشكال الحادي عشر :
بعد غياب الدولة 14 عامًا في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، أصبح دور مؤسسات المجتمع المدني أكثر وضوحًا وتوسعًا،كيف يمكن لهذه المؤسسات، التي تدير على سبيل المثال أكثر من 300 مدرسة أو 50 مستشفى، أن تساهم في عملية نقل المهام إلى الدولة المقبلة؟ 
الجواب : 
تغوّل منظمات المجتمع المدني أو تمددها في الفضاء قد يُعتبر من جهة سلبياً، وقد يُعتبر من جهة أخرى إيجابياً. فجزء من المجتمع يتحمل العبء عن الدولة الجديدة، بينما تقوم هذه الدولة بوضع التشريعات والقوانين. وكل ما تحتاجه هذه المؤسسات هو تقديم خطاب وطني، وبذلك يمكنها الاستمرار ودعمها من قبل الدولة للقيام بوظائفها دون حدوث تعارض بين المساحتين، ويمكنها مواصلة عملها وتقديم خدماتها مع دعم الدولة. بشكل عام، يمكن القول إن نمو المجتمع المدني يعد مصلحة للدولة، حيث يساعد في مقاومة الاستبداد والظلم، فضلاً عن تطوير الإبداع والابتكار.
▪▪▪▪▪▪

الإشكال الثاني عشر : 
السؤال هو: كيف يمكن تجنب عودة السيطرة من قبل الدولة العميقة، خاصة في ظل عدم كفاية الكفاءات الثورية من حيث العدد؟ بمعنى آخر، كيف يمكن تجنب تكرار السيناريو المصري حيث كانت الدولة العميقة تحت سيطرة مجموعة صغيرة، ربما لا تتجاوز 5-10%، لكنها كانت تتحكم في مفاصل الدولة؟ مع العلم أن الكفاءات الثورية المتاحة حالياً قد تواجه تحديات في تغطية جميع المناصب على مستوى سوريا.
الجواب : 
لا أعتقد ، أنه عندما ينهار الجيش وجهاز الأمن، ستظل هناك دولة عميقة. الدولة العميقة تتكون من جهاز الأمن والجيش اللذين يدعمان مجموعة من التجار. ميزة الثورة في سوريا أنها بدأت من صفحة بيضاء؛ القوى الجديدة لم تأتِ من خلال الاعتماد على الجيش الموجود، بل جاءت عبر الاعتماد على قوة جديدة. هذه القوى الجديدة تحمل أفكارًا ورؤى جديدة.

المحور الرابع : توصية نهائية

أن يكون هناك كتيب للعمل المدني يوضح القضايا الرئيسية، ماهيتها، أولوياتها، العقبات التي تواجهها، والمحاذير التي تتعرض لها. يجب أن تكون جميع هذه القضايا في وثيقة واحدة، ولا يشترط أن تكون كبيرة، بل يمكن أن تكون بضع صفحات.
أنتم بحاجة إلى" إعلان سوري"  يشبه "الإعلان الشيوعي"، يوضح اتجاهات المجتمع المدني ومطالبه ورؤيته، بحيث يكون في متناول يد كل العاملين في قضايا المجتمع المدني. يجب أن يكون هذا الإعلان بمثابة ورقة إرشادية لنمط التفكير واتجاهاته، ويمكن تعديلها مع مرور الوقت وإصلاحها بشكل تدريجي. لكنها ضرورية لتوجيه اتجاه التفكير بين القوى العاملة في المجتمع المدني، بحيث يتفق الجميع على صلاحية هذه التصورات لبناء سوريا المستقبل، التي نحلم بها. 

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.