تعيش مجموعة من الكائنات الصغيرة الزرقاء التي تحكم حياتها مجموعة من الأساطير وتصير أمورها بمجموعة من الأحاجي الموروثة التي تحقق لهم المعجزات ..
ولا ينغص عيشهم الذي يسير بانتظام كالتروس في المحرك إلا شرشبيل ..
رجل الغابة الذي يحيا حياة بائسة تملؤها الأحلام الشريرة التي تقتضي أن يقبض على السنافر ويحول دمائهم الخالدة إلى محلول سحري يجعله يسود العالم ..
لم تكن هذه القصة محض خيال في أفلام الكرتون بل لها بعد واقعي ..
ففي القرون الوسطى كان هناك الطبقية التي تقسم المجتمع لسادة وعبيد ، بل وإن حروب تلك الفترة قامت على تقديس الجنس الأري دون غيره كالنازية والفاشية وأبادت الهنود الحمر لاستبقاء الجنس الأبيض ..
الملفت أن هناك عقيدة واحدة شكلت هذه الحروب جميعا وهي الحفاظ على السلالات الملكية من الأعراق السامية لأن بها مستقبل العالم والقضاء على السلالات الملكية من الطرف الضد .
كم حصل في الإبادة لقبائل إفريقية عن بكرة أبيها أو مطاردة جماعة لأن بينهم فرد من عائلة ملكية وقد عالجت هذه الفكرة السينما الأمريكية كما في قصة آرثر ..
حتى في جماعات المافيا وتجار السلاح والمخدرات يحافظون على سلالاتهم لأن فيها دما أصيلا يحافظ على أصالة الأسلوب وتوراث الطريقة ..
ولكن الغريب أن نجد في القرن الواحد والعشرين بقايا بشر محنطين من عصور بائدة
كانوا قد نبتوا في تربة فطرية ملوثة تسرطنت جذورها وتسمم طرحها واحترقت أوراقها ..
يستدعيهم السادة المثقفون في لحظات درامية حيث تصطبغ فيها الشاشات بالألوان الرمادية كما في القرن الثامن عشر وتصطخب فيه الموسيقى التي كانت تعبر عن صوت السلطة الأوحد وسوطها المشهر ..
ومن ثم تعلو أصوات تنبعث من توابيت يملؤها غبار الاستعباد من العصور الغابرة ..
والتي كان العالم قد استراح منها بغياب ساكنيها..
يستحضرها هؤلاء المثقفون كما يستدعي الحواة الأفاعي من القبور ..
في مشهد يجسد الكوميديا السوداء لا تكاد تصدقه ..
فكيف لمثقف أن يسجد لصنم وكيف لمتدين أن يستمع لمشعوذ..؟
كأننا نحيا في المدينة الفاضلة التي تفتقر لبعض الواقعية من المشاكل الحياتية ..
فكان لزاما على أفلاطون أن يصحح المخطط ويضيف بعض العقارب والحيات؛ حتى تتعالى بعض الصيحات ويسقط بعض الضحايا وتستمتع النفوس المتعطشة للدم ..
وكأنه لا يكفينا صنوف المر الذي نتجرعه قسرا في أيامنا ..
وهم بهذا يجعلونك تكفر بكل قول صدقته انبعث من حناجرهم ، وتمج بقايا الأمل الذي كنت تستبقيه فيهم وتغسل يدك من شفاء داء الحمق المتشعب في تلك الطبقة..
في قرية السنافر هناك شرشبيل واحد يظهر كشرير برجماتي يسعى لمصالحه بوحشية ..
وفي عالمنا يوجد ألف شرشبيل لكنهم يخفون أنيابهم ومخالبهم خلف عباءات الحكمة يبدون أنعم من الحيات وأكثر فتكا منها ..
فاتكم أيها السادة أننا لا نعيش على الأساطير كالسنافر ولا نحيا بمعجزة الأحجاي، ولا نقضي حياتنا هربا من الأشرار بل نجتثهم من جذورهم ونحرق الأرض التي أنبتتهم ..
لكن هذا كله لا ينفي أن السنافر أكثر حظا منا حيث يعرفون عدوهم جيدا ولا يحترزون من سواه ..
أما نحن فجنود نحيا على ظهور جيادنا ، لا تنفك سيوفنا من قبضتنا ؛ رباطا وشجاعة وصيانة للحق ..
لكننا يرضينا أن تكون لنا الآخرة بعد عزة دين الله في أرضه وإن كان الرباط أبدا هو ثمن فما أهونه من ثمن ..
نسأل الله التوفيق والثبات ..
فاطمة بنت الرفاعي