استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

أزمة الجهاز المعرفي


- لا تكتمل ثقافة أي إنسان يسعى للنهوض في هذا العصر، دون المرور بأزمة " الجهاز المعرفي" . 
- هناك اتجاهات معرفية متباينة وصراع كبير بين رؤيتنا للدين والحياة المعاصرة، وهو صراع نلاحظه في كل جوانب حياتنا. 
- على سبيل المثال، لماذا رغم وجود تلسكوبات وحسابات دقيقة لميلاد القمر، لا زلنا نواجه كل عام أزمة كبيرة في اثبات رؤية الهلال ؟ 
- في مدرسة المقاصد، نجد أن المقصد هو معرفة القمر، وينتهي الأمر عند هذا الحد. ولكن الاشكال لا يزال قائما. 
- بين ثلاثية القمر العلمي والقمر الديني، وأزمة الأطروحات التي تحاول إيجاد حل، يمكننا اكتشاف العديد من الأزمات.

*أولا: تعريف الجهاز المعرفي*

 يمكن تحليل أي جهاز معرفي من خلال خمسة عناصر أساسية: 
- ١ *المصدر الرئيس*: هو المادة التي سيشتغل عليها المنهج. قد تكون نص او ظاهره طبيعية. محتويات العقل او الرؤى والكشف.
- ٢ *الاداة* : قد تكون الأداة إستقرائية أو تمثيلية. قياسية أو بيانية أو كشفية. إلهامية أو عقلية. منطقية أو وجودية أو معيارية أو غيرها.
- ٣ *الدينمو المولد*: مسلمات قبليه يعتمد عليها المنهج.
- ٤ *الفهم*: هو حصيلة تشغيل المنهج ومسلماته على المصدر.
- ٥ *المنتج*:هو كل مترتبات هذا الفهم وتوابعه.
 يمكن من خلال هذه العناصر فحص أي جهاز معرفي والتعرف على مصادره، أدواته، الدينامو خاصته، نوع الفهم الذي يخلقه، وما هي منتجاته.
  *مثال عن الجهاز المعرفي*  
 إذا نظرنا إلى الجهاز المعرفي السائد اليوم في الغرب، يمكن تحديد مكوناته كالتالي:
المصدر الرئيسي: يعتمد على ما تنقله الحواس، مما يجعله مرتبطًا بالماديات والطبيعة.
 الأداة: يتمثل في الاستقراء، حيث يدرس الظواهر المتكررة، ويحاول استنتاج القوانين منها.
الدينمو: يتمثل في التجربة المعملية، حيث يسعى إلى التحقق من الملاحظات الأولية وضبطها.
الفهم: ينشأ فهم مادي تجريبي للأشياء المحيطة به، مما يؤثر على كيفية إدراك العالم.
النتائج: كل إنتاج لاحق سيكون ناتجًا عن هذا الفهم التجريبي، مما يؤدي إلى تنظيم حياته وفقًا لهذه النتائج.

 * ثانيًا: الأجهزة المعرفية المتنافسة* 

 إذا نظرنا إلى الغرب ،سنجد ثلاثة أجهزة معرفية متنافسة، واحدًا منها هو المسيطر. 
- الجهاز الغالب هو الاستقراء، الذي يعتمد على الأداة التجريبية. 
- ثم هناك الفلسفة، التي تستخدم المنطق كأداة وتتناول قضية البرهان بشكل مستمر، مما ينتج أفكارًا ذات طابع فلسفي بعيدًا عن التجربة المعملية. 
- أما الجهاز الديني، ورغم ضآلته، فهو لا يزال حاضرًا، ويعتمد على وجود النص اللغوي الذي يفسر المعنى
 لذا، في كل بيئة، من الضروري أن نتعرف على الأجهزة المعرفية المتنافسة.

 * ثالثًا : ظاهرة الاستعارة *

  تتم الاستعارات بين الأجهزة المعرفية حتى دون إدراك ذلك. خاصة عندما تواجه اختناقات.
- على سبيل المثال، المدارس التجريبية الصرفة التي تعتمد على الاستقراء تستعين في بداية عملها بالمدرسة الفلسفية. 
- فمثلاً، تعتمد فيزياء نيوتن على فلسفة ضمنية ترى أن الكون مكون من أجسام وذرات. بناءً على هذه الفلسفة، تُبنى بقية المنظومة.
 كما أن الدين يستعير أيضًا في إثبات الحجج الدينية، قد يستند الدين في بعض الأحيان إلى حجج علمية.
- على سبيل المثال، درس أرسطو تركيب الكون بطريقة معينة، ثم وجدت الكنيسة أن هناك إمكانية لتفسير أفكار أرسطو من الكتاب المقدس، فتبنت أفكاره.
 ما يميز هذه الأجهزة هو المصدر والدينامو المولد. النظام المعرفي يحافظ على نفسه عبر ضمان حمايتهما.
- في الحضارة الغربية، إذا حذفنا المصدر، الذي هو الطبيعة، لم يعد هناك علم تجريبي. 
- وإذا حافظنا على الطبيعة ولكن بدون الدينامو المولد، وهو التجربة، فلن يكون هناك علم غربي.
 تتعدد الأجهزة المعرفية لأن المنهج هو نتاج بشري، والبشر يختلفون في تصوراتهم. وبالتالي، ينتجون مناهج مختلفة لمقاربة هذا الواقع.

 *الخاتمة* 

تساعدنا هذه الأفكار التأسيسية على استشراف جهازنا المعرفي. نتساءل: 
ما هو هذا الجهاز؟ كيف تشكل؟ كيف تطور؟ كم عدد الأجهزة المعرفية الموجودة؟ كيف تتفاعل هذه الأجهزة المتعددة داخله؟ ولماذا نحن في مأزق؟ هذه الأسئلة ستكون محور دراستنا في المحاضرات القادمة.




اعداد: م. رباب قاسمو
المصدر: برنامج البناء الثقافي لقادة النهضة، الدكتور جاسم سلطان

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.