تحديد ثوابت الأمة الإسلامية هو الخطوة الأولى قبل استخدام آليات مثل "صندوق الاقتراع"، فالديمقراطية أو الانتخاب – كأداة تنظيمية – لا يمكن أن تكون حاكمة على الثوابت التي تشكّل هوية الأمة وتماسكها.
فيما يلي تفصيل لهذه النقطة:
1. أهمية تحديد ثوابت الأمة الإسلامية:
• الثوابت الإسلامية هي القواعد والأسس التي لا تقبل النقاش أو التغيير، لأنها مستمدة من نصوص قطعية الثبوت والدلالة (القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة)، وتشكل الإطار المرجعي للحياة السياسية والاجتماعية والفكرية.
• الأمة الإسلامية ليست أمة تُبنى على نسبية القيم، بل على نظام رباني يحكم جميع تصوراتها عن الإنسان والحياة والكون.
من أمثلة هذه الثوابت:
• مرجعية الشريعة الإسلامية: الشريعة هي الحاكمة والمهيمنة على كل نظم الحياة.
• الوحدة العقدية للأمة: التوحيد والإيمان بأركان الإيمان الستة.
• حفظ الضروريات الخمس: الدين، النفس، العقل، النسل، والمال.
• العدل والمساواة أمام القانون: بما ينسجم مع نصوص الشريعة.
• الشورى: كمبدأ ملزم في إدارة شؤون الأمة، ولكن بضوابط مستمدة من الإسلام.
2. الفرق بين الثوابت والمتغيرات:
• الثوابت: لا تقبل التصويت أو التغيير، لأنها تعبر عن الأحكام الإلهية القطعية. مثال: تحريم الربا، وجوب الصلاة، حفظ الحريات وفق الشريعة.
• المتغيرات: هي القضايا الاجتهادية التي يمكن أن تتغير حسب الزمان والمكان والمصلحة، ويتم اختيارها عبر آليات مثل الشورى أو الانتخابات، شريطة أن تظل ضمن إطار الثوابت.
3. النقد الإسلامي لصندوق الاقتراع بدون مرجعية الثوابت:
• غياب الضوابط الشرعية: في الديمقراطية الغربية، الأغلبية المطلقة هي التي تحدد الصواب والخطأ، وقد تنتج تشريعات تخالف أحكام الله (مثل تقنين المحرمات كالمثلية أو الربا).
• الإسلام لا يجعل الأغلبية معيارًا للحق، بل يُحتكم إلى الشريعة كمرجعية ثابتة.
• قال تعالى: "وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ" (الأنعام: 116).
• انفصال صندوق الاقتراع عن القيم: إذا لم تكن هناك مرجعية شرعية، فإن العملية الانتخابية تصبح خاضعة للأهواء والمصالح، مما يهدد تماسك الأمة ومرجعيتها الإسلامية.
4. النموذج الإسلامي للاختيار والحكم:
الإسلام يقدّم نموذجًا يوازن بين الثوابت والمتغيرات:
• الشورى المقيدة بالشرع: اختيار الحاكم أو السياسات العامة يتم من خلال شورى حقيقية، لكن ضمن إطار الشريعة.
• قال تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" (آل عمران: 159).
• مجالس أهل الحل والعقد: في التراث الإسلامي، يُمثل هؤلاء العلماء والقادة المؤهلين الذين يُشرفون على مدى توافق القرارات مع الشريعة.
• ضمان وحدة الأمة: أي قرار سياسي أو اجتماعي يجب أن يعزز وحدة الأمة، وليس أن يُقسّمها بناءً على تيارات متصارعة.
5. آلية صندوق الاقتراع بضوابط شرعية:
إذا تم استخدام الانتخابات كأداة، فلا بد أن تخضع للضوابط الشرعية:
• اختيار من يطبق الشريعة: المرشحون والبرامج السياسية يجب أن يكونوا ملتزمين بتحكيم الشريعة الإسلامية.
• إقصاء المخالفات الشرعية: لا يجوز السماح بترشح أو انتخاب من ينادي بتشريعات تخالف الشريعة.
• نظام انتخابي أخلاقي: يمنع الفساد، شراء الأصوات، والتلاعب بالنتائج.
• مرجعية العلماء: لضمان عدم انحراف القرارات عن إطار الشريعة.
6. الخطوة الأولى: تأسيس مرجعية موحدة للأمة قبل الانتخابات:
• يجب العمل على توحيد الأمة حول ثوابتها الشرعية من خلال:
• تعليم العقيدة الصحيحة: التي تُرسخ الإيمان بالله وحاكمية شريعته.
• إعادة دور العلماء: كمرجع أساسي في ضبط الاجتهادات الشرعية.
• بناء وعي سياسي شرعي: يميز بين ما هو ثابت وما هو اجتهادي ويحدد التصورات الكبرى للقيم الحاكمه
الخلاصة:
قبل استخدام صندوق الاقتراع لاختيار البرامج السياسية أو الحاكم، يجب تحديد ثوابت الأمة الإسلامية التي تشكل مرجعيتها الدينية والحضارية. هذه الثوابت تمثل أساس الوحدة، وهي الحصن الذي يمنع الانحراف عن الشريعة. الانتخابات قد تكون أداة صالحة، ولكنها تفقد مشروعيتها إذا لم تُضبط بضوابط الشريعة وتُبنَ على أساس الاعتراف بهذه الثوابت.
د.سامر الجنيدي. القدس
تعليق من الاستاذ محمد بن عزة:
سلمت ووفقت دكتور سامر،
ذلك ما نبغ جميعا، لكن كما تعلم، حين تفقد الأمة الغلبة الحضارية، تفقد كثير من النخب الثقة في مرجعيتها،
وتسارع في تبني مرجعيات غالبة ولو بدون جذور هنا،
وبدون اعتبار لقانون التداول، الذي سريعا ما يلقي بالغلبات الى أرشيف التاريخ، ولتظهر أخرى،
ومن تم، فمن الحكمة والعلم إبداع منهجيات جديدة للمرجعية نفسها، حتى لا ندور في فلك الغلبات المتهاوية بعد حين من الدهر
ولذلك نسارع ما وسعنا الجهد في إعادة قراءة القرآن الكريم بمعطيات العصر ،ونلقي إليه بتحديات الحاضر والمستقبل لعلنا نكتشف معالم الثقة الوجودية والتصورية بكل جدارة وحجاج موضوعيين، ثم على أساس تلكم الثقة والتصور الوجودي العلمي، نحقق الحضور في رفع تحديات عالمنا ككل إنساني كوكبي.. أي بذلك نتصرف كما لو أننا الرائدون الغالبون وإن كنا تقنيا وحضاريا مغلوبون:
لأنه حين تتهاوى استعمالاتهم الخرقاء والعنصرية للتقنية والعلوم، سيكتشف الناس عالميا رؤيتنا وبديلنا الأخلاقي والتصوري الاجدر، فيختارون بكل حريتهم ، وسيساهم كل الصالحين في الحضارة والتقنية المأمولة، المؤسسة على العلم المناسب لبنية الكون ولسلامة الفطرة ولن يكون أبدا مخالفا للشريعة: فكل من مشكاة واحدة
مقالك معقول، وينم عن الاصالة والمصداقية، فقط أردت وضع التبرير الحجاجي والبرهاني لتقديمه