استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

أنا مسافر يا بابا...


قالها ذلك الشاب المفعم بالحياة لوالده كما حكاها لي ..

كان يحكي والألم يعتصره ، إنه أحب أبنائي إلي وصديقي ورفيقي وسأفارق أحفادي ..

حسنا لماذا لا تحاول إقناعه بالعدول عن قراره..؟

قال له أحد أصدقائه يوما : هدده بغضبك وتخليك عنه وألب عليه أمه ورفاقه وأنت لن تؤذه على كل حال

فرفع رأسه وقال بنبرة لن أنساها : لا يمكن أن أجعل حبي له قيدا يوثقه ، ما أسهل التخلي وما أصعب التمسك حين يأتي تياره معاكسا ..

والتفت إلي وقال : الحب يا ابنتي حرية وعطاء دون شرط ..

وسعى جاهدا وساعد ابنه على سفره وأقنع أمه وإخوته ..

رق قلبي لحاله كثيرا فكلما ذكره اغرورقت عيناه ..

كان ينتظر اتصاله كانتظار الشريد للغمام..

لماذا لا تتصل أنت وتطمئن عليه ويأنس قلبك بصوته ..؟

كان يجيب بابتسامة وقورة: هو يعلم أنني أنتظره وسيتصل حين يحتاج إلي أو إلى سماع دعائي ..

فما بال قلبك ؟

قال : قيمة القلوب أن تعطي حتى لمن تخلى وتتمسك بمن تحب كما تقبض على الجمر ..

مرت سنوات وانتقل هذا العملاق العظيم إلى دار البقاء، ولكن مدرسة عطائه ووفائه مازالت حاضرة بين عيني ..

لم يكن براقا ولا مزمجرا ، كان سمحا هادئا كنسيم البحر الصافي ..

رحمه الله ..

لا تنظر من أحد أن يقدر بطولتك ويصفق لملحمتك ولا تنزل على رأي أحد في معاركك ولا حتى على رأي ثقافتك ..

أنت لا تحسن أن تكون أحد غير نفسك ولو اجتهدت ..

البطولة في الرباط والمعارك الطويلة واللحظات الحرجة وليس في الانسحاب التكتيكي ..

القوة حتى في الدين في القبض على الجمر والوقوف ضد التيار..

علموا أبناءكم أن شرف الإنسان قدره بسعيه خلف ما يؤمن به ونضاله عما يحب حتى الرمق الأخير ..

علموهم أن العطاء قوة ولكنه ليس قيدا نأسر به أحد ..

علموهم أن المتخلي عن قيمة أو مبدأ أو محب يفقد أكثر من غيره ..

علموهم أن النضال في هذه الحياة والعض بالنواجذ على ما نحب والذود عما نؤمن به مهما كلفنا هو عين الصواب ..

علموهم أن المتخلين والتراكين أكثر من أن يحصوا والأبطال المتمسكين أقل من يعدوا ..

علموهم أن الذرائع لا تشفع للمتخلي ولا ترتد به لميدان البطولة مجددا ..

علموهم أن ما تفلته الآن من يدك لن تتسع كفك للقبض عليه مجددا..

علموهم أيضا أن يفتحوا قلوبهم لتنهمر خيرا وبرا ووفاء بلا شرط ولا قيد ؛ فنحن أمة أرسل الله نبيها صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ..

علموهم أن القرارات التي تؤجل وتترك ليجفف حبرها النسيم ستموحها أمواج الحقائق قبل صدورها ..

سيتعلمون كل هذا يوما وسيكونوا أفضل مما تظنون سواء شهدتم هذا أم لم تشهدوه ..
يكفي أن تحسنوا الغراس والقدوة والصبر وطول الأناة ولا تقسوا ولا تتخلوا عنهم بذريعة جهالتهم ، فنيران القسوة تباعد وتدمر وتنفر وأنتم أول من تصطلون بها ..

سامحوا واعفوا ولا تكثروا العتب ؛ يكفي أن يصل الدرس ..

العمر أقصر من أن يمحوا آثار التخلي أو يطفئ نيران القسوة ..

والأهم من ذلك أن الثقة مع القسوة تندثر وتضمحل وهذا خرق لا يمكن رتقه ؛ حينها تكونوا قد أجرمتم من حيث تظنون الإحسان ..

سلام على كل المناضلين الثابتين القابضين على الجمر ..

سلام على من رحل عاضا بالنواجذ ولم يتخل حتى رمقه الأخير ..

سلام على رحلة مهما طال صبرها ورباطها مازالت على الدرب ..

سلام على بطولات عرفناها أو لم نعرفها ومازال أصحابها بيننا أو رحلوا ..

سلام محمل بكل زهور البساتين مطوقا أعناق الرحماء الذي يبقون فينا الأمل مهما هبت العواصف ..




بقلم: فاطمة بنت الرفاعي

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.