هناك اتجاهان أساسيان في المجتمع الإسلامي:
- الأول هو الاتجاه الوجودي.
- والثاني هو الاتجاه المعياري.
سنتعرف اليوم على الاتجاه الوجودي بجهازيه الفلسفي والعرفاني، وسنحلل كل جهاز معرفي باستخدام خماسية: المصدر، الأداة، الجهاز المولد، الفهم، والمنتج.
*الاتجاه الوجودي*
- يعود الاتجاه الوجودي إلى قرون قبل ظهور الإسلام. وقد قام بعض المسلمين الذين آمنوا به بدمج الأفكار الإسلامية مع مفاهيمه، مما أسس تيارًا معينًا في التراث الإسلامي.
- في جوهر التصورات الوجودية، توجد نظرية "وحدة الوجود" بدرجات متفاوتة.
- يُعتبر الموجود الأول منفصلًا عن بقية الموجودات، وهناك تراتبية محددة لبقية الموجودات.
- ولكن في الأساس، يُعتبر المُوجد والموجودات امتدادًا لبعضها البعض.
*الجهاز المعرفي الفلسفي (نظرية الفيض)*
سنحاول تسليط الضوء على نظرية الفيض التي حاول بها الأقدمون شرح العلاقة بين الكمال "اللامتغير" والوجود "المادي المتغير"
*أصل النظرية*:
- يُعتبر الموجود الأول كمالاً أساسياً، وهو موجودٌ مستغنٍ عن كل شيء. يُصوَّر ككيان لا يمكن للعقل وصفه بشيء يحيط به.
- ونتج عن هذا الكيان الكامل الكون الناقص الذي نشهده.
*الإشكالية*:
يُطرح هنا سؤالٌ: إذا كان هذا الوجود الأول(كامل لا يتغير) فكيف يمكن أن ينتج عنه كون حادث ناقص(يجري عليه التغيير)؟
*حل الإشكال عبر نظرية الفيض*:
- تُشير نظرية الفيض إلى أن الموجود الأول لم يُقرر صنع شيء، بل "فاض" بسبب كماله إلى وجودات أقل منه.
- اي الفيض لا يتم من خلال إرادة، بل هو نتيجة طبيعية لكمال الموجود الأول.
*تركيبة العقل القديم*:
- يرتبط العقل القديم بالنجوم، لذلك فالوجود الكامل فاض على وجودات أدنى هي الكواكب اسموها "العقول".
- والعقل القمري "القمر" هو اخر العقول، تسبقه تسعة عقول ( كواكب سماوية طاهرة نقية)…
*صور العقل القمري*:
- تحتوي هذه الصور على الأشكال الكاملة لكل الموجودات.
- عندما تنطبع هذه الأشكال الكاملة على مادة الهيولى، تُولد عندنا الوجودات المادية، والتي تُعتبر غير حقيقية، إذ هي ظلال لتلك الأشكال الكاملة.
*ويظهر اشكال جديد* :
- كيف يمكن أن يتكون المركب (العقل القمري) من غير المركب (الوجود الأول)؟
*دخول الفلسفة الإسلامية*:
- حاولت ان تنحت مسارًا توفيقيًا بين مقولات القدماء وبين النصوص القرآنية. تلبست بفكرة "وحدة الوجود" القائمة على مبدأ الفيض.
- حاولت توظيف هذه الأفكار في الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن." فالأول هو الوجود الأول الكامل. والآخر هو ما فاض عنه.
*تحليل الجهاز المعرفي الفلسفي*
- المصدر: العقل الفلسفي.
- الأداة: المنطق اليوناني.
- الجهاز المولد: هو فكرة أن البسيط لا يولد إلا بسيطًا (السنخية).
- الفهم: محكوم بالقاعدة الأساسية السابقة.
- المنتجات: ما نراه من أفكار الفلاسفة مثل الفارابي وابن سينا.
*الجهاز المعرفي العرفاني (الكشف)*
- يُعتبر العرفان جزءًا من نظرية وحدة الوجود.
- يُمثل العرفان الوجه النظري للتصوف، بينما يُعتبر التصوف الوجه التطبيقي له.
- في العرفان، يُرى أن الموجود الحقيقي هو الله تعالى، وأن بقية الموجودات هي أشكال تابعة له.
- العلاقة بين ما نراه من ظلال الوجود وما ينكشف للإنسان عبر التأمل القلبي هي التي تُظهر له العالم الحقيقي.
- يوجد عالمان: عالم يتواجد فيه أغلب الناس، حيث تغطي عيونهم غشاوة تمنعهم من رؤية الأشياء السامية التي تُكشف للعرفانيين عبر الإلهام.
*تحليل الجهاز المعرفي العرفاني*
- المصدر: هو التأمل القلبي.
- الأداة: الكشف والرؤى والأحلام.
- الجهاز المولد: هو قضية وحدة الوجود.
- الفهم: محكوم بالكشف.
- المنتج: تشمل أشعارًا وأفكارًا نابعة من هذا التراث.
*الخاتمة*
- هناك صدام بين الاتجاه الوجودي في الإسلام وبقية الأجهزة المعرفية الأخرى. ومع ذلك، فإن هذا الصراع غير منضبط لأنه عشوائي وغير مبني على تحليل الجهاز المعرفي لهذا النظام.
- للتوسع في البحث، يمكن الإحالة إلى كتاب الأستاذ يحيى محمد بعنوان الفلسفة والعرفان.
اعداد: م. رباب قاسمو
المصدر: برنامج البناء الثقافي لقادة النهضة، الدكتور جاسم سلطان