جاءني طالب يرغب في إجراء بحث معرفي حول وحدة العالم الإسلامي، وقد وضع خطوطاً عريضة لدراسته مثل : تعريف الوحدة، وأهمية الوحدة، ولماذا يجب أن نتحد ...
أخبرته أن هذه الدراسة نظرية وقد لا تساعده في فهم الواقع الحقيقي، واقترحت عليه أن يتبع منهجاً مختلفاً، بأن يختار عينة صغيرة من البيئة المحلية التي يعيش فيها، تحوي جماعات إسلامية متفرقة ولكنها تنادي بالوحدة.
ثم يحلل واقعهم من خلال استخدام الاستبانات والمقابلات، ثم يعمم الدراسة على عينة أكبر يقارن ويخرج بنتائج .
هذه العملية الاستقرائية ستمكنه من التعمق في فهم أسباب الفرقة الحقيقية واستشراف آفاق الحلول الواقعية .
*المنهج الاستنباطي*
السؤال الذي يجب أن يشغل بالنا هو: لماذا لا تتحقق هذه الوحدة؟ لن تأتي الحلول من التنظير فقط، وليس من المفيد أن نخبر الناس بوجود آيات أو نصوص تدعو للوحدة، بينما تظل هذه الأمور غير مُفعّلة على الأرض.
تنبع العقلية التي تعتمد على النصوص والمدركات المطلقة من الاعتقاد بأن العالم سيتغير وأن الناس ستستجيب لمجرد أننا نخبرهم بما هو الصواب.
لكن الواقع غالباً ما يكون أكثر تعقيداً. ومن هنا تنشأ الدراسات العلمية والفلسفية لمحاولة الاقتراب من هذا الصواب.
يظل المنهج الاستنباطي ضرورياً في مراحل معينة من العمل، لكن إجابات الواقع تنبع من الواقع نفسه. على سبيل المثال، لا يكفي أن نقول إن الغرب مستبد ويمنعنا من العمل، بل يجب أن نعرف لماذا يمنعنا، وما هي الآليات التي يستخدمها، وما الذي يمكننا فعله لمواجهته وايجاد آليات الحلول.
*المنهج الاستقرائي* :
المنهج العلمي يعتمد على الاستقراء، حيث يقوم بدراسة الظواهر الطبيعية في البيئات المختلفة ويستخرج منها استنتاجات. المحاكمات تنطلق من هذه النتائج وليس من الجانب النظري.
الواقع هو الذي يقدم الإجابات إذا أحسنا فهمه والتعامل معه، وخرجنا من دائرة الإطلاقيات.
فالإطلاقيات هي إشارات أو توجيهات عامة في لحظة تاريخية معينة للفعل العقلي، لكن الواقع هو الذي يقدم الإجابات حول الممكن وغير الممكن.
دراسات الاستقراء لا تدعي الكمال، بل تشير باستمرار إلى قصورها، وتحاول تقديم إجابات في حدود العينات التي درست ونوعية الأسئلة التي طرحت.
الهدف هو دفع الناس خطوة صغيرة إلى الأمام، مع التأكيد على أهمية مواصلة هذه الدراسات بانتظام.
*استقراء النهضات المعاصرة*
تعتبر النهضات المعاصرة، واقعا خصبا يمكن دراستها علميا. بناء على هذه الدراسات، يمكننا أن نصل إلى نتائج معينة تشير إلى جوانب محددة.
عندها، نكون قد حققنا خطوة إلى الأمام في الفضاء المعرفي، حيث انتقلنا من المنهج الاستنباطي إلى المنهج الاستقرائي.
*الخاتمة*
أحد أبرز شواهد الدخول إلى العصر الجديد هو الانتقال من المنهج الاستنباطي إلى المنهج الاستقرائي.
المنهج الاستقرائي يتيح لنا مساحة للحوار، لأنه يعتمد على النسبية. أما المنهج الاستنباطي الإطلاقي، فيؤدي إلى صراع بين الأطراف، حيث يتمحور النقاش حول ما يجب أن يكون وليس ما هو كائن في الواقع .
*نصيحة في ختام البرنامج* :
تمكنوا من فهم النماذج المعرفية التي تم عرضها في الدروس وفي كتب السلسلة. اشرحوا هذه النماذج للآخرين.
وإذا رغبتم في تغييرها أو تعديلها، فهذ أمر ممكن. فنحن في عصر يتطلب منا الاستمرار في النظر والاجتهاد.
اعداد: م. رباب قاسمو
المصدر: برنامج البناء الثقافي لقادة النهضة، الدكتور جاسم سلطان