استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

البيئة الحاضنة للنهضة رؤية تكاملية


 التأسيس القرآني والحاجة المعاصرة

يؤسس القرآن الكريم في سورة التحريم لمفهوم البيئة الحاضنة من خلال آية جامعة تتضمن أبعاداً تربوية وتوجيهية عميقة: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة". هذا التأسيس القرآني، حين يقترن بالفهم المعاصر للعمل المؤسسي كما يتجلى في مفهوم المربع الثاني عند ستيفن كوفي (المهم غير العاجل)، يشكل إطاراً متكاملاً لبناء بيئة حاضنة فاعلة للنهضة.

 الحاضنة الشعبية: ضرورة نهضوية

تشكل البيئة الحاضنة ضرورة حيوية للمجتمعات الناهضة في عصرنا الحالي. فالناهض في مواجهة التحديات المعاصرة وتعقيداتها، يحتاج إلى درع واقٍ وبيئة داعمة تحميه من الانحراف وتعينه على الاستمرار. هذه البيئة تشكل جسراً بين الطموحات النهضوية والواقع المجتمعي، وتضمن استمرارية العمل النهضوي وفاعليته في مواجهة التحديات المختلفة.

 ثلاثية التربية والتوجيه والتذكير

يكشف سيد قطب رحمه الله عن عمق هذا المفهوم في تفسيره حين يقول: "يهيب القرآن بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير". هذه الثلاثية المتكاملة، تشكل جوهر العمل التربوي في البيئة الحاضنة. فالتربية تؤسس للبناء المعرفي والسلوكي، والتوجيه يضمن استمرارية المسار وتصحيحه، والتذكير يجدد الهمم ويحيي العزائم.

 التأسي النبوي: من السيرة إلى المنهج

ويضيف البقاعي بُعداً عملياً عميقاً حين يربط الوقاية بالتأسي النبوي، فيقول: "اجعلوا لها وقاية بالتأسي به صلى الله عليه وسلم في أدبه مع الخلق والخالق". هذا الربط يحول النموذج النبوي من مجرد سيرة تُروى إلى منهج حياة يُعاش، ويؤسس لمنظومة سلوكية متكاملة تجمع بين العبادة والمعاملة.

 فقه التحديات وآليات المواجهة

ويلفت الزمخشري النظر إلى حقيقة عميقة في فهم طبيعة التحديات حين يتحدث عن "نوع من النار لا يتقد إلا بالناس والحجارة". هذا الفهم يؤسس لضرورة دراسة طبيعة التحديات المعاصرة، وفهم آليات تأثيرها، وتطوير وسائل المواجهة المناسبة لها.

المنهجية التربوية المتكاملة

ويقدم القشيري منهجية تربوية متكاملة في قوله: "فقِّهوهم، وأَدِّبوهم، وادعوهم إلى طاعة الله". هذا التدرج المنهجي يبدأ بالتأسيس المعرفي، ثم يتجه نحو التشكيل السلوكي، وصولاً إلى تنمية الدافعية الذاتية. وهو مسار تربوي يراعي تدرج البناء الإنساني وتكامل جوانبه.

 مراتب الوقاية وأولوياتها

ويضع الماوردي ترتيباً منهجياً للوقاية يبدأ بالأمر والنهي، ويمر بالتعليم والتأديب، وصولاً إلى تنمية القدرة على التمييز بين الخير والشر. هذا الترتيب يؤسس لمنهجية عمل متكاملة في البيئة الحاضنة، تبدأ بالتأسيس وتنتهي بالتمكين.

 الضروريات والأولويات في العمل النهضوي

ويلفت الجصاص النظر إلى أهمية التركيز على "ما لا يُستغنى عنه من الآداب"، وهو ما يتقاطع مع مفهوم الأولويات في العمل المؤسسي المعاصر. هذا التركيز يضمن فاعلية العمل وكفاءته، ويمنع تشتت الجهود في أمور ثانوية.

 المنظومة الوقائية والبنائية

ويؤسس الماتريدي لمنظومة متكاملة للممانعة، والأسباب تجمع بين الوقاية والبناء. فالوقاية تتطلب فهم مداخل الفساد وسد منافذه، والبناء يتطلب معرفة أسباب النجاة والعمل على تحصيلها. وهذه الثنائية تشكل جوهر العمل في البيئة الحاضنة.

 التصديق والعمل: تكامل الإيمان والتربية

ويربط الطبري بين التصديق بالرسالة والعمل التربوي في قوله: "يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله... علموا بعضكم بعضا". هذا الربط يحول الإيمان إلى طاقة دافعة للعمل، ويؤسس لمنظومة تعلم متبادل تضمن استمرارية التطور والنمو.

رؤية مستقبلية: نحو حاضنة فاعلة

إن البيئة الحاضنة للنهضة، حين تُبنى على هذه الأسس المتكاملة، تصبح قادرة على حماية النهضة وتعزيز استمراريتها. فهي تجمع بين عمق التأصيل الشرعي وفاعلية التنظيم المؤسسي، وبين قوة البناء الفكري وكفاءة التطبيق العملي. وهي بهذا التكامل تشكل حاضنة حقيقية قادرة على دعم النهضة وحمايتها، وتوفير البيئة المناسبة لنموها وازدهارها في مواجهة تحديات العصر وتعقيداته.



كتب حسان الحميني
والله الموفق.

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.