الثورة المصرية بين الحلم والواقع: رؤية مالك بن نبي للنهضة"

تُعد فكرة النهضة من أهم الأفكار التي شغلت المفكرين والفلاسفة في العالم الإسلامي خلال القرنين الماضيين، خاصة في ظل التحديات التي واجهتها المجتمعات الإسلامية بعد سقوط الخلافة العثمانية وبدء مرحلة الاستعمار. من بين هؤلاء المفكرين، برز اسم **مالك بن نبي**، الذي قدم رؤية عميقة لفكرة النهضة، معتمدًا على تحليل تاريخي واجتماعي دقيق. 

وعبر فكرة النهضة عند مالك بن نبي وربطها بالثورة المصرية التي اندلعت في يناير 2011، لنرى كيف يمكن لهذه الأفكار أن تساهم في فهم التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية في سعيها نحو التغيير.

ولد مالك بن نبي في الجزائر عام 1905، وعاش في فترة شهدت تحولات كبرى في العالم الإسلامي. تأثر بن نبي بالاستعمار الفرنسي للجزائر، ورأى أن التخلف الذي تعاني منه المجتمعات الإسلامية ليس نتيجة لقلة الموارد أو القدرات، بل هو نتاج لأزمة حضارية شاملة. في كتابه الشهير (شروط النهضة)، قدم بن نبي رؤيته لفكرة النهضة، معتبرًا أنها عملية معقدة تتطلب شروطًا اجتماعية وثقافية وفكرية.

فيرى بن نبي أن الحضارة ليست مجرد تقدم مادي أو تقني، بل هي نظام متكامل يشمل الجوانب الروحية والفكرية والمادية. ويعتبر أن الحضارة تمر بثلاث مراحل: مرحلة الروح، مرحلة العقل، ومرحلة الغريزة. وفقًا له، فإن العالم الإسلامي يعيش في مرحلة الغريزة، حيث تسيطر المادية على حساب القيم الروحية والفكرية.

حدد بن نبي عدة شروط للنهضة، من أهمها:

يعتبر بن نبي أن الإنسان هو المحور الأساسي لأي نهضة. فبدون إنسان واعٍ ومثقف، لا يمكن تحقيق أي تقدم.

-الوقت: يعد الوقت هو المورد الأهم في عملية النهضة. يجب استغلاله بشكل فعال لتحقيق الأهداف.

 تأتى الثقافة كالإطار الذي يحدد طريقة تفكير المجتمع وسلوكه. ولذلك، يجب أن تكون الثقافة متوافقة مع قيم النهضة.

 يشير بن نبي إلى أن النهضة تحتاج إلى فكرة محركة، تكون قادرة على تحفيز الأفراد والمجتمعات نحو التغيير وتكمن قوة الفكرة في كونها مجددة وملهمة . 

يرى بن نبي أن التخلف ليس حالة طبيعية، بل هو نتيجة لغياب الشروط الضرورية للنهضة. ويعتبر أن الاستعمار لم يكن السبب الوحيد للتخلف، بل ساهم في تفاقمه بسبب تدميره للبنى الاجتماعية والثقافية للمجتمعات الإسلامية.

بعد سنوات القمع والفساد وغياب العدالة الاجتماعية الممتدة عبر 6 قرون اندلعت الثورة المصرية في 25 يناير 2011، كرد فعل على ماسبق 

. يمكن تحليل هذه الثورة من خلال رؤية مالك بن نبي لفكرة النهضة، حيث نجد العديد من النقاط المشتركة.

إن المحور الأساسي لأى تغيير وفقًا لرؤية بن نبي هو الإنسان . 

وفي حالة الثورة المصرية، كان الشباب المصري هو المحرك الرئيسي للثورة. لقد أظهر الشباب وعيًا كبيرًا بحقوقهم وقدرة على التعبير عن مطالبهم، مما يعكس وجود "إنسان واعٍ" قادر على قيادة التغيير.

شهدت الثورة المصرية لحظات حاسمة، مثل أيام 18 يوم التي أدت إلى تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك. هنا، نرى أهمية الوقت كعامل حاسم في عملية التغيير. لقد استغل الثوار الوقت بشكل فعال لتحقيق أهدافهم، وهو ما يتوافق مع رؤية بن نبي لأهمية الوقت في عملية النهضة.

لعبت الثقافة المصرية دورًا كبيرًا في تشكيل الثورة. من خلال الفنون، الأدب، والإعلام، تم تعبئة الجماهير وتوعيتهم بحقوقهم. ومع ذلك، فإن الثقافة المصرية ما زالت تعاني من بعض التحديات، مثل انتشار الفكر الاستهلاكي وغياب القيم الروحية، وهو ما يتوافق مع تحليل بن نبي لمرحلة الغريزة التي تعيشها المجتمعات الإسلامية.

كانت الفكرة الديناميكية المحركة للثورة المصرية هي "العيش ، الحرية ،  والعدالة الاجتماعية". هذه الفكرة كانت قادرة على تحفيز الملايين للمشاركة في الثورة. ومع ذلك، فإن غياب الرؤية الواضحة لما بعد الثورة أدى إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وهو ما يؤكد على أهمية وجود فكرة ديناميكية مستدامة لتحقيق النهضة.

بالرغم النجاحات التي حققتها الثورة المصرية، إلا أنها واجهت العديد من التحديات التي تعيق تحقيق النهضة. من أهم هذه التحديات:

"النهضة تحتاج الى رؤية شاملة " هكذا أشار بن نبي، فتكون  رؤية شاملة تشمل جميع جوانب الحياة. في حالة مصر، فإن غياب رؤية واضحة لما بعد الثورة أدى إلى حالة من التشتت وعدم الاستقرار.

ما زالت مصر تعاني من مشاكل الاستبداد والفساد، والتي تعيق أي محاولة للنهضة. وفقًا لبن نبي، فإن هذه المشاكل هي نتاج لغياب القيم الروحية والفكرية التي تحرك المجتمع.

تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة، مثل البطالة والفقر، والتي تعيق عملية النهضة. وفقًا لبن نبي، فإن النهضة تحتاج إلى اقتصاد قوي يعتمد على الإنتاج بدلًا من الاستهلاك.

تقدم رؤية مالك بن نبي لفكرة النهضة إطارًا تحليليًا قويًا لفهم التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية، بما في ذلك مصر. من خلال تحليل الثورة المصرية من منظور بن نبي، نرى أن تحقيق النهضة يتطلب شروطًا معينة، مثل وجود إنسان واعٍ، وثقافة متوافقة مع قيم النهضة، وفكرة ديناميكية محركة. رغم التحديات التي تواجه مصر، إلا أن الثورة كانت خطوة مهمة نحو التغيير، وتبقى النهضة ممكنة إذا تم استيفاء الشروط الضرورية لها.