عندما ننظر إلى الربيع العربي من خلال عدسة المفكر الجزائري مالك بن نبي، نجد أن هذه الحركات الاحتجاجية كانت محاولة لتحقيق "النهضة" التي تحدث عنها في كتاباته. بن نبي، الذي عاش في القرن العشرين، قدم رؤية عميقة حول أسباب تخلف العالم الإسلامي وكيفية تحقيق النهضة. من خلال ربط أفكاره بأحداث الربيع العربي، يمكننا فهم الإخفاقات التي واجهتها هذه الحركات، وإعادة تصور الطريق نحو التحرر والنهضة.
الفصل الأول: الربيع العربي.. محاولة للنهضة
- 1_مالك بن نبي وفكرة النهضة:
يرى مالك بن نبي أن النهضة لا تتحقق إلا من خلال تغيير شامل في "شروط الحضارة"، أي في الأفكار والثقافة والمجتمع. النهضة ليست مجرد تغيير سياسي، بل هي عملية شاملة تشمل جميع جوانب الحياة.
الربيع العربي، في جوهره، كان محاولة لتغيير "شروط الحضارة" في العالم العربي. الشعوب العربية كانت تسعى إلى التحرر من الاستبداد وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي أهداف تتوافق مع رؤية بن نبي للنهضة.
- 2_أحلام التحرر:
بدأ الربيع العربي بأحلام كبيرة في التحرر من الأنظمة الاستبدادية، وتحقيق الديمقراطية والكرامة الإنسانية. هذه الأحلام كانت تعكس رغبة في تغيير الواقع السياسي والاجتماعي، وهي خطوة أولى نحو النهضة.
ولكن، كما يرى بن نبي، فإن النهضة تتطلب أكثر من مجرد تغيير سياسي. فهي تحتاج إلى تغيير في الثقافة والأفكار التي تحكم المجتمع.
الفصل الثاني: الإخفاقات.. لماذا فشل الربيع العربي؟
- 1_غياب الأفكار النهضوية:**
وفقًا لمالك بن نبي، فإن النهضة تتطلب "أفكارًا حية" تقود المجتمع نحو التغيير. ولكن الربيع العربي افتقر إلى هذه الأفكار. الحركات الاحتجاجية كانت تركز على إسقاط الأنظمة، ولكنها لم تقدم رؤية واضحة للمستقبل.
بدون أفكار نهضوية، تحولت الثورات إلى فوضى وصراعات داخلية، مما أدى إلى إفشال أحلام التحرر.
- 2_الاستعمار الثقافي:
حسب فكر بن نبي أن العالم الإسلامي يعاني من "استعمار ثقافي"، حيث يتم استيراد الأفكار والثقافات من الغرب دون تمحيص. هذا الاستعمار الثقافي أدى إلى انقسامات داخلية في حركات الربيع العربي، حيث اختلفت القوى السياسية حول الرؤية المستقبلية.
في مصر، على سبيل المثال، أدى الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين إلى تعقيد المشهد السياسي وإفشال الثورة.
- 3_غياب القيادة النهضوية:
تحتاج النهضة، وفقًا لأبن نبي إلى قيادة واعية وقادرة على قيادة المجتمع نحو التغيير. ولكن الربيع العربي افتقر إلى هذه القيادة.
فالقوى السياسية التي وصلت إلى السلطة بعد الثورات كانت تفتقر إلى الرؤية والخبرة اللازمة لتحقيق النهضة.
أدى غياب القيادة فى ليبيا واليمن كمثال إلى تفكك الدولة وانهيار مؤسساتها.
الفصل الثالث: إعادة بناء البوصلة.. نحو نهضة حقيقية
- 1_إعادة بناء الأفكار:
اذا ارادت القيادات العربية والنخب إعادة بناء الربيع العربي، فيجب التركيز على بناء "أفكار حية" تقود المجتمع نحو التغيير. هذه الأفكار يجب أن تكون مستمدة من الثقافة العربية والإسلامية، ولكنها أيضًا منفتحة على التجارب العالمية.
والتعليم يلعب دورًا كبيرًا في هذا الصدد. يجب تعزيز الثقافة النهضوية من خلال المناهج التعليمية ووسائل الإعلام.
- 2_مواجهة الاستعمار الثقافي:
ويجب مواجهة الاستعمار الثقافي لإعادة بناء البوصلة، من خلال تعزيز الهوية الثقافية والاستفادة من التجارب العالمية دون فقدان الخصوصية الثقافية.
ويأتي هنا دور المجتمع المدني الذي يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز الثقافة النهضوية. المنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية يمكن أن تكون أدوات قوية لتعزيز الأفكار النهضوية.
- 3_بناء القيادة النهضوية:
تحتاج النهضة إلى قيادة واعية وقادرة على قيادة المجتمع نحو التغيير. هذه القيادة يجب أن تكون قادرة على تجاوز الانقسامات السياسية والاجتماعية، وأن تتبنى رؤية واضحة للمستقبل.
وايضا نحتاج إلى اعطاء الشباب دورًا كبيرًا في بناء القيادة النهضوية. ويجب تعزيز دورهم في المجتمع المدني والسياسي.
الفصل الرابع: النهضة والتحرر.. الطريق إلى الأمام
- 1_الاقتصاد كأداة للنهضة:
إن النهضة وفقًا لمالك بن نبي تتطلب تحقيق العدالة الاقتصادية ، فالفقر والبطالة كانا من الأسباب الرئيسية للربيع العربي، ولذلك فإن تحقيق النمو الاقتصادي هو شرط أساسي للنهضة.
وعليه فالدول العربية بحاجة إلى تبني سياسات اقتصادية تعزز العدالة الاجتماعية لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء والدواء وتوفر فرص العمل للشباب.
- 2_التكنولوجيا كأداة للنهضة:
لعبت التكنولوجيا، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، دورًا كبيرًا في الربيع العربي. هذه الأدوات يمكن أن تستخدم مرة أخرى لتنظيم الحركات الشعبية ونشر الوعي النهضوي ، كما أن التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تحقيق الشفافية ومحاربة الفساد.
- 3_الوحدة الوطنية:
- النهضة تتطلب وحدة وطنية قوية. الانقسامات الداخلية يمكن أن تقوض أي محاولة للإصلاح. لذلك، يجب تعزيز الوحدة الوطنية من خلال الحوار الوطني وبناء الثقة بين مختلف مكونات المجتمع.
كان الربيع العربي محاولة لتحقيق النهضة التي تحدث عنها مالك بن نبي. ولكن الإخفاقات التي واجهتها هذه الحركات تعكس غياب "الأفكار الحية" والقيادة النهضوية. لإعادة بناء البوصلة، يجب التركيز على بناء أفكار نهضوية، ومواجهة الاستعمار الثقافي، وبناء قيادة واعية.
النهضة ليست مجرد حلم، بل هي عملية شاملة تتطلب تغييرًا في الثقافة والمجتمع والسياسة. فقط من خلال العمل الجاد والرؤية الواضحة يمكن للشعوب العربية أن تحقق أحلامها في التحرر والنهضة.
بقلم أدهم حسانين