- عند مقارنة ألواح موسى مع القرآن الكريم، نجد أن الألواح نزلت دفعة واحدة واحتوت على الوصايا العشر كإرشادات ثابتة على مر الزمن.
- أما القرآن، فنزل متفرقًا على مدى 23 عامًا، تداخلت فيه أحداث مكة والمدينة.
- تفاعل القران مع الأحداث والظروف التي عاصرها المسلمون آنذاك. قدم إجابات لأسئلة الناس بتدرج، مثل تحريم الخمر. أو احتوى على آيات تتعلق بمناحي الحياة المعقدة التي عاشوها كالحرب والسلام. أو تعقيب على حوادث بعينها كمشكلة المرأة مع زوجها في سورة الممتحنة.
- كل ذلك يؤكد لنا أن النص القرآني كان في جدل مستمر مع الواقع، مما أتاح للمسلم آنذاك أن يتفاعل معه وفق المواقف المختلفة.
- تباينت المدارس الاسلامية لاحقا في التعامل مع النص، ونشأ صراع بين اتجاه بياني يرى أن النص تعبدي ثابت تم تفسيره زمن تنزله ثم أُغلق دون اعتبار لتغير الواقع.
- والاخر اتجاه مقاصدي يرى أن النص هو في جدل دائم مع الواقع. فإن تغير الواقع تغيرت معالجة النص.
*اتجاهان لمعالجة النص*
يمكن القول أن النص ينتهي إلى نهايات معينة :
- ولكن مع تغير الواقع، يحدث جدل جديد بين النص والواقع ينتج عنه إجابات جديدة مختلفة.
- هذه الاجابات توصل لأقرب مساحة من مقاصد النص وليس النص ذاته.
أو يمكن القول إن هذا النص انتهى إلى نهاية ثابتة:
- وعلى كل زمان أن يتفاعل مع هذا النص بطريقة أو بأخرى.
- هذا قاد إلى وضع معين في المنهج الإسلامي، وأدى إلى المدرسة البيانية، التي تشكل الفكر المعاصر الآن.
*الملامح الرئيسية للمدرسة البيانية*
جوهر المدرسة البيانية يكمن في أن النصوص القرآنية تعتمد بشكل أساسي على اللغة العربية، ولكن ليس أي بيان عربي، بل اللغة المتداولة في زمن الرسول. اي المعنى العرفي السائد في تلك الفترة هو الذي يحكم تفسير النص.
عندما تواجه هذه المدرسة سؤالًا مثل رؤية هلال رمضان، فإنها تستند إلى نص محدد: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته". هنا نجد أنفسنا أمام مدرسة بيانية نقية، حيث يتم تطبيق النص باللغة العربية مع مراعاة العرف الزماني الخاص بالرسول. فالأمر متعلق بالرؤية العينية فقط، وليس له علاقة بالتقنيات الحديثة.
التغيير في العلم أو الواقع لا يغير من طبيعة النص، الذي يُعتبر كافيًا وفعالًا عبر العصور. وأي فهم شخصي يتجاوز النص يُعتبر تمردًا عليه، لأن الله تعالى جعل النص تعبدياً ومُلزماً.
*اشكالية المدرسة البيانية* .
قاومت المدرسة البيانية جميع محاولات التطويع عبر التاريخ، بما في ذلك إدراج المقاصد الكلية التي تشمل السياسة والاجتماع والاقتصاد.
فقضية رؤية الهلال، على سبيل المثال، ممكن تعميمها على مختلف مجالات الحياة، حيث نجد إصرارًا على الالتزام بالألفاظ الموجودة في النصوص القديمة، رغم تغير ثقافات الناس والمجتمعات.
*تحليل الجهاز المعرفي البياني* :
داخل النسق البياني، توجد نواة صلبة تستند إلى فكرة أن المصدر هو "النص"، وأن الدينامو المحرك الذي تتولد منه الأحكام هو "الدلالة العرفية للنص في زمن الرسول".
من خلال تحليل الجهاز المعرفي الداخلي لهذه المدرسة، يمكننا فهم كيفية عملها واستمرار إنتاجها لأفكارها، مما يقلل من التوتر ويحول النقاش من صحة النظام البياني إلى قياس درجة كفاءته في الإجابة على أسئلة العصر.
*الخاتمة* :
- عندما يفهم صانع النهضة أن المنهج الذي يتبعه النظام البياني هو نحت بشري وليس خطاب سماوي.
- وانه عبارة عن اختيار معرفي تم في لحظة تاريخية. ارتأى مفكروها أن تثبيت النص والقياس على النص هو المساجة المسموح الحركة فيها.
- عندما يفهم كيف نشأ هذا الوعي وتجذر عبر التاريخ شيئا فشيئا وأصبح حاكما للمسار الاسلامي الموجود وقاوم علميات التطوير عبر التاريح الى يومنا هذا.
- سيستطيع أن يراجع بنيته ويوجد خيارات لأجهزة معرفية جديدة تناسب هذا العصر.
اعداد: م. رباب قاسمو
المصدر: برنامج البناء الثقافي لقادة النهضة، الدكتور جاسم سلطان