كلمة رنت في قلبي لساعات6 طويلة ؛ قالتها رفيقة الدروب الوعرة والمعارك الشرسة والأخطار المحدقة ..
لطالما رزقني الله على لسانها ما يربط على قلبي ويرتد بي إلى جادة اليقين ..
نعاني الكثير من الأهوال حتى تتصاعد قلوبنا للسماء سائلين متى نصر الله؟
نتمنى أن نفيق من هذا الكابوس ونجد أن الإسلام عزيز والمسلمين بخير وأمان ورفعة وسيادة ..
نعتصر بنات أفكارنا بحثا واجتهادا عن كل سبيل للخلاص ويسعى المخلصون سعيا حثيثا لرأب صدع وحراسة ما بقي من ثغور ..
كل هذا لا يكفي لإيقاف النزيف وتضميد الجراح وتهدئة النياح ورد الغائبين ..
أينما وليت وجهك وعقلك وقلبك تجد قتلا وسجنا وتعذيبا ونهبا وغصبا ودماء وبكاء وجراحا وحقوقا ضائعات ..
لا تكاد تمر عليك ساعة إلا وتسأل نفسك ما عذرنا أمام الله في كل هذه الحرمات المنتهكة ..
فتهب كالملدوغ تهرول وتسعى كما سعت هاجر من الصفا إلى المروة مرارا وتكرارا وأنت لا تملك حلا جذريا ولا تعلم سبيلا لقشع هذه العواصف والجرائم..
لكنك لا تجد بدا من بذل كل الأسباب ولو بقشة ولو بدعوة ولو بشق تمرة ..
وفي كل مرة تتفحص آلام الأمة كما تفحصت هاجر إسماعيل عليهم السلام الذي لم يكن بينه وبين موته جوعا سوى بعض الوقت ..
فسعت وهرولت ودعت واستطلعت وعلم الله منها إخلاصا وتجردا وصدقا ..
مازالت كلماتها هي المصبرة حين سألت زوجها إبراهيم عليه السلام : " لمن تتركنا ؟؟" مرارا ولا يجيب
فقالت : "آلله أمرك بهذا؟"
قال : " نعم"
فقالت كلمتها التي كانت ميثاقا في الثبات واليقين : " إذا لن يضيعنا الله "
أتخيل حال هاجر عليها السلام وهي تهرول بين الجبال والصخور وهوام الصحراء وحياتها وعقاربها وقد أضناها التعب حتى لم تعد تقوى على حمل رضيعها فتتركه في الوادي في وديعة الرحمن الذي وثقت به وتوكلت عليه ..
وتصعد الجبل ويدمى قدمها ويجف ريقها من غبار الصحراء وتتعذر رؤيتها من عواصف الرمال وأهوال والوديان ، فإذا صعدت إلى الجبل تكون أضعف من أن تنزل عنه ولكن بعد صغيرها عن مرآها ورغبتها في إنقاذه يدفع قلبها وأمومتها لحمل مالا تقوى عليه فتذهب وتعود ..
وهي تدرك أنه لا نبع قريب ولا قافلة قد تمر من هذا المكان المقفر ..
لكنها بذلت كل ما في طاقتها ..
وفي تدبير الله ما يغني عن الحيل..
جاءتها البشائر والرحمة من فوق سبع سموات؛ فانبثقت زمزم من تحت أقدام رضيعها الذي لا يملك ولا يدرك من أمره شيئا إكراما لها وإنفاذا ليقينها وتربية من الله لنا ..
كبر قرة عين والديه إسماعيل عليه السلام وامتحن الله والده بذبحه ؛ حتى أسلم وتله للجبين إذعانا وامتثالا عندها نزل الفداء من فوق سبع سموات..
نحن أحفاد إسماعيل عليه السلام وهاجر وإبراهيم عليهم السلام ..
نحن ورثة مدرسة الحنيفية السمحة ..
مهما كان الخطر محدقا والعدو جبارا وطاقتنا أضعف من أن تعفر قدميه لكن الله أكبر وأعظم وأقوى وأحكم ..
علينا أن نكون أهلا لهذا الميراث ونسعى ونحث الخطى ونهرول ونتخلص من ذواتنا لذات الأمة ومصيرها ..
عندها تدركنا رحمة تدبير الله وتنصرنا قدرته وتغنينا عزته وتنجينا حكمته وغلبته حين يشاء سبحانه ..
كلما وصلنا إلى شفير هاوية اليأس وتقطعت بنا السبل علينا أن نتذكر أن في تدبير الله ما يغني عن الحيل
جزى الله رفيقتي خيرا ..
وفي تدبير الله ما يغني عن الحيل ..
فاطمة بنت الرفاعي