استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

من يحب الحروب؟


من يهوى شلالات الدماء والصرخات ؟
من يعجبه صراخ الصغار وأنين الكبار وتناثر أشلاء الموتى ؟
من يعجبه البقاء في القفار والركض هربا من الموت لمئات الأميال؟
من يعشق الغربة والانتقال وخطر الهوية والقلق المستمر؟
أكاد أجزم أن المعتدي والمدافع كلهما مدفوعان رغما إلى ذلك ..
فالمسلحون في الطرف المعتدي جبروا على هجر أهليهم وتوديع أطفالهم ودفء بيوتهم للذهاب إلى حافة الهاوية حيث لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ومن بعدها الموت لأي أحد ..
والمسلحون في الطرف المدافع دفعوا بوازع الضمير أو الواجب أو الشرف لمكابدة نفس المكاره وخرجوا مودعين ذويهم بالدموع ولا أحد يضمن تكرار اللقاء ...
أيا كان دين القاتل والمقتول وأيا كانت أسبابهم فلا يوجد إنسان في قلبه بقية فطرة يحب الحروب ويسعى إليها شرها..
خلقنا الله وفضلنا على العالمين بشرا ولسنا حيوانات متوحشة تتعطش للدماء ..
فمن يحب الحروب إذن؟
أصحاب البدلات السوداء والحقائب الدبلوماسية والنظارات السوداء الأحذية اللامعة والعيون التي تقدح والملامح التي لا تفسر ..
نعم... أولئك الذي يجلسون في الظل على طاولات التفاوض ويقامروا بعدد رؤوس المقتولين من طرفهم ليحصدوا المكاسب والأموال التي يصعب على محترف البورصة المالية قراءة أرقامها ..
وماذا يبقى للشعوب المنكوبة ؟
بعض عبارات ووعود نماء ووعيد قصاص .... وعلى أحسن الأحوال بعض الأوسمة للشجعان الذين أزهقت أرواحهم في سبيل حصول الدجال الأكبر على جبال الثروات ..
أسمع ذلك المتسرع الذي ينعتني بالزندقة ..
على رسلك ..
هل تأملت حروب قرننا الأخير؟
هل خرجت عن وصفي هذا ؟
بالطبع لا ..
فماذا ... هل ندخل الجحور كالفئران ولا نبالي حتى نحمل سهام العدو وهو يشد قوسه ليرمي رقابنا ..؟
أليس هذا ما حصل في زمن التتار وسقوط الخلافة ؟
حين ضيع الحكام الأمانة وتسلطوا على دنيا الناس ودينهم فجرف التتار بلاد المسلمين من فارس حتى دمشق..
ولم يتوقف نزيف الدماء وخيانة الحكام حتى انبرى لهذه الأمة قادة وفرسانا أخذوا بزمام الأمور وقادوا الركب ودحروا العدو؛ قطز وبيبرس رحمهما الله تعالى ..
وعندها عاد المجد ودحر العدو وبنيت الحضارة وساد المسلمون الدنيا وحفظت حقوقهم في أصقاع العالم..
إن هذه الحروب التي نحبها ..
نعم .. نحب حربا تكون لله وللأمة ولصالح البشر ولعمارة الأرض وحقن الدماء وصون الأرواح والأعراض ..
ألم نحصد ولو بضع سنابل خير وعز في أعقاب #ثورات_الربيع_العربي من بركات هذه الحرب الأبية ..
إن توديع عشرات الشهداء أهون علينا من مشاهد الخيانة والتطبيع والدياثة والخسة التي نراها اليوم وتعانق العربي والمسلم مع الصهاينة في حميمية نفتقدها بين المسلمين بل والتسارع لتقديم الولاءات ..
إننا نكتشف كل يوم أن #السجن_العربي_الكبير الذي كنا نظنه واحة ومصنعا للرجال ؛ فيه الكثير من مستنقعات الخيانة أوحال الدياثة ..
ولا يعدو الخضار والاتساع أكثر من سراب بقيعة أو خضراء الدمن نبتت على سطح الماء الأسن ..
تؤرقني منذ سنوات كلمة للبطل المغوار #معتز_مطر بقيت كالشوكة في حلقي وتأبى نفسي تصديقها ؛ رغم أنه مصدق عندي ..
قال : " أنا على يقين أن مكاسب الثورة الحقيقية ستحصدها الأجيال القادمة؛ أما نحن فقد كتب علينا أن نشهد لحظة المخاض القاسية وأن ندفع ثمنها كاملا ، وكل ما نرجوه أن تتلطف بنا الأقدار وتجعل الثمن محتملا "
هذه الكلمات بقيت تؤرقني رغم يقيني أن ما نحن فوقه من براثن الخيانة والعمالة كبير وأكبر من توقعاتنا..
لكن الأيام كشفت أن المخاض سيكون طويل والتطهير قد يستغرق عمرنا كله ..
الآن أدرك تلك الحسرة التي مات بها نور الدين محمود زنكي وهو ينتظر فتح بيت المقدس وقد بنى للمسجد #الأقصى منبرا وكان يبكي بجانبه شوقا وهو على يقين أنه سينقضي أجله قبل أن تفتح #القدس لكنه لم يدخر جهدا ولم يوفر قوة أو مالا في سبيل تحرير القدس وجمع كلمة المسلمين بعدما كانوا شراذم..
ربما نموت قبل أن تزهر ثمار الثورات ولكننا سنستمر في التطهير والحرث والبذر ..
ما قيمة الحياة إذا لم تكن كذلك ..؟
كل يصنع ملحمته ويختار لنفسه منزلته في الدنيا والآخرة .. ؟
هنيئا لمن باع نفسه لله صدقا وسدد الله خطاه واستعمله في حقه أيا كانت الوسيلة وثبته عليه حتى اليقين ..
وتعس من كان دون ذلك أيا كان خطوه ومستقره ..




بقلم: فاطمة بنت الرفاعي

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.