استفهام أم استنكار أم استهجان ..
عبارة تختلف دلالتها حسب نبرتها وسياق الخطاب المتضمن لها ..
قالها القذافي تهكما لشعبه ..
وقالها سفاح مصر أيضا تهكما واحتقارا ..
عبارة مهما اختلفت تأويلاتها فهي تحمل تصغيرا واحتقارا ونظرة علوية لمن هو دون مستوى قائلها بكثير ..
سابقا كان الناس أكثر وعيا وأقرب لميدان الكرامة وأنفة النفس ..
فكان السادات يقول : أبنائي .. وولادي كناية عن قصر الرؤية والوصاية في القرار والمظلة التي لا تسمح برفع الرؤوس والتحليق عاليا ..
وتوالت القهقرات حتى صرنا نكرات يقال لنا : من أنتم دون أن ننتفض ونقيم الدنيا ونهدمها على رأس قائلها ..
لكن السؤال قائم لكل فرد فينا : من أنت ؟
هل أنت ذلك المتهم بالوضاعة والخسة المقر لها ؟
هل أنت أحقر مما يقولون أم أشرف وأنقى مما يتصورون ؟
هل أنت أضعف من أن ترد عن نفسك القذائف والتهم أم أنك كامن كالسبع تتحين الفرصة لتصفع بالقاضية ؟
قالت لي منتحبة وبيدها مجلد يربو على الألف صفحة كتبته بدموعها ومداد قلبها ..
(قالوا لي يوما : نخجل من كونك تنتمين لعائلتنا
فأمضيت عمري أدفع عن نفسي هذه التهمة وأرتقي المعالي علهم يفخرون بي يوما )
مهلا ..
ليس عليك أن تصحح ظن أحد عنك ..
لكن من أنت؟
من أنت في عين نفسك وبينك وبين ربك .. ؟
كن أنت ذلك الشخص الحقيقي مهما قالوا وفعلوا وظنوا ..
كل الأنبياء اتهموا بالجنون والنزق والخرافة ..
كل العباقرة نعتوا بالسفه والجنون والغباء..
وقد تكون أنت أفضل منهم لكنك تعير ظن الناس فيك أكثر مما تعير اعتقادك عن نفسك ..
أحيانا أجد لشعراء الفخر عذرا ..
فقد أنفوا وأبوا أن ينصهروا في بوتقة حكماهم وحفظوا ملاحمهم وتاريخهم وذكرى علمهم وشرف قبائلهم من أن تجرفها أنهارالملوك وإن كانت جنان فاتنة ؛ وكانوا محط تقدير واحترام أولئك الحكام على عكس أولئك المنبطحين المتزلفين ..
لم يبق لنا من الدواوين إلا أولئك الذين أنفوا أما من انصهروا فلم يبق لهم ذكر ..
كن أنت كما أنت وكما يعرف ربك عنك وخذ نفسك إلى حيث تستحق مهما تقاذفتك الرياح وجرحتك سهام القول ..
لم يعرف أحد منهم قصة كفاحك ولا مجد نضالك ولم ترق خيالات المرجفين للوصول لسقف أحلامك..
كن أنت فقط ..
إياك أن تقبل أن يخنقك أحد في أغلال ظنه أو يهوي بك في أوحال إثمه ومكره بك ..
أنت أكرم مخلوق تنفس على سطح الأرض..
بعض الشياطين يريدونك أن تكون أحقر مخلوق ؛ بجرك لبراثن الشهوات تارة ، وغلك في شراك الإذلال تارة ، وقذفك في بئر اليأس تارات ..
مع طول هذه المعارك قد ينسى البعض كنه هويته ويكف عن النضال ويستسلم لما يجرعونه إياه من سم زؤام ..
ونحن في السجن العربي الكبير قد أجريت على أجيالنا كل هذه التجارب ليضيعونا عن حقيقتنا ويباعدوا بيننا وبين منبع قوتنا ؛ اعتقادنا عن أنفسنا وما نستحق أن نكون ..
فتجدنا إلا من رحم الله أسوأ الناس في معاملة أبنائنا وأهلنا وجيراننا وبين بعضنا...
انظر اليوم للعرب في المهجر أو في الداخل العربي إنهم إلا من رحم الله أسوأ من البرابرة المتوحشين وأكلة لحوم البشر ..
لماذا؟
إنها الرصاصة التي أصابت الهوية وشوهت عقيدة الإنسان عن نفسه وجعلته في عينه أشبه بشيطان وقامت بتسخيره لكل المعارك القذرة وإغرائه بالانتصارات الزائفة..
أتذكر هنا كلام للدكتور محمد عمارة رحمه الله مضمونه؛ عن الحرب على الهوية والانحطاط السياسي الذي يعقبه انحطاط أخلاقي واقتصادي واجتماعي ..
حيث ينحط الإنسان في كل نشاطاته ويطمح للانتصارات الوهمية فتجد كل الكوارث البشرية حاصلة وربما بأيدي أولئك الذين كانوا يناضلون عن الشرف يوما ثم أنساهم طول النضال كنه هويتهم وحقيقة جوهرهم..
كن أنت كما تؤمن وتعتقد وكما توحي لك مشكاة قلبك ومصباح ضميرك..
إياك أن تصدق حتى نظرة أحدهم لك أو ابتسامة ساخرة أو كلمة استخفاف ..
أنت بطل عظيم طالما كنت مؤمنا بحقيقتك مصدقا لما بينك وبين ربك ومناضلا عن هذه الحقيقة وآبيا لكل معاني الانقياد والخضوع إلا لله ..
أنت أيها الحر شمس الأصيل في سماء الدنيا وجوهرة ساطعة في أفق الأكوان ومحط اهتمام وإذعان كل الخلائق حتى أعدائك ما دامت تؤمن بهويتك وتصدق قصة الحقيقة التي بينك وبين ربك..
مهما قالوا وفعلوا ..
حلق في سماء الحرية عزيزا أبيا واضرب بقدمك في كل أرض وناضل عن كل حق فأنت لا يليق بك إلا أن تكون بطلا شامخا ..
فاطمة بنت الرفاعي