ما هي التصورات الكبرى للقيم التي تجعلنا مجتمعا فاعلا ، ونسير في مسار التقدم الاممي أو العكس ؟
وفي هذا السياق يقدم لنا علم الاجتماع واحدة من اهم الادوات لدراسة التجمعات البشرية ومقاييس ومؤشرات لحيوية المجتمعات وتطلعاتها من حيث قابليتها للتقدم من عدمه ، وذلك من خلال مناظير ثمانية تعطينا مشهدا بانوراميا للمجتمع وتصوراته الكبرى ، كيف يبدو والى اين يتجه ، وما قدرته على العطاء والانتاجية ، وما قدرته على سد احتياجاته ، وما مدى قابليته لتلقي الصدمات والتأقلم مع الأزمات ، وهل فلسفته في الحياة منفتحة على الأخر أم منغلق على ذاته ، وهل يقدم نموذجا يقترب من روح القرآن وتعاليمه وسماحته ام لا ...
اول واهم هذه المناظير وهو :
المفتاح الأول : النظرة للطبيعة الإنسانية
ما هي طبيعة نظرة المجتمع للطبيعة الإنسانية ؟
مما تتكون الطبيعة الإنسانية ؟ وهو سؤال الفلسفة الكبير الذي يحتاج منا الى وقفة جادة ، ويعلل الدكتور بان كل حديث لا يبدأ بالطبيعة الإنسانية يخطئ الطريق !
ونقصد بالطبيعة الإنسانية هنا مجمل الإستعدادات التي تميز الإنسان على سائر المخلوقات ، والتي تتماثل في كل من يوصف بأنه إنسان منذ ميلاده وتشكل المشترك العام لبني البشر .
تلك الإستعدادات قسمها الدكتور الى اربع جوانب اساسية هي :
◄ اولها الجانب الحيواني الشهواني الغريزي ، والذي يكافح به الإنسان للــبقاء وليحمي نفسه .
◄ ثانيها الجانب المتسامي الذي يجعله يطلب العلم والدين والأخلاق والفن وهو قدر زائد عن الجانب الحيواني .
◄ وثالثها جانب القوة وهو العقل الذي به تفوق على سائرالحيوانات ذات المخلب والناب وطوّع الطبيعة ....
◄ ورابعها جانب الضعف وهو الخوف والحزن والقلق والهم .
ولكنه بخيره وشره أهل للتكريم يقول خالقه جل ذكره : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) ، ووضــع الكون رهن ملكه وجعله مستخلفاً في الأرض ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) ، وأوكل له مهــمة إعمارها : ( وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) .
فالطبيعة الإنسانية في القرآن بكل ما هي مستحقة للتكريم ، ومن هنا الأمم التي أدركت ذلك جعلت الكرامة الإنسانية الوجودية مبدأ ، وكل ما يندرج تحت هذا المبدأ من حقوق الإنسان جعلته عنواناً للحياة الإنسانية الكريمة ، وانعكس ذلك على قوانينها وأنظمتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وقانونيا واجرائياً….
فكيف ننظر للطبيعة الإنسانية في مجتمعاتنا ؟
- هل نثق في خيرية الإنسان فنفتح له الافق ونعلي من شأنه ؟
- أم اننا لا نثق في خيريته فنمتهن كرامته ونضيق عليه ؟
المفتاح الثاني : النظرة للطبيعة والكون
ما هي الصورة التي يختزنها المجتمع عن علاقة الإنسان بالطبيعة ؟
الطبيعة هي مخزن الأسرار وقوانينها وهي متاحة ومسخرة للإنسان ، فكل الظواهر الطبيعية هي محط سؤال كبير ، وكشف تلك الأسرار يتفاوت في قوة المجتمعات ، فالمجتمعات التي أنتجت الآلة والطاقة والاتصالات والحواسيب والمواصلات والآلة العسكرية ، لم تبنها إلا بتلك العلاقة الوطيدة بين إنسانها وبين الطبيعة والكون والمادة ..
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا هو :
ما هي العلاقة بين إنسان مجتمعنا والمادة ؟
هل يلامسها ويبحث في أسرارها ويتشوق لتلك المعرفة وينشغل بها ؟
أم يمر على كل ظواهر الكون غير مبالي لا يلامسها فاحصاً ولا باحثاً ولا متفكرا ؟