استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الصدق : قيمة عظيمة وأصل أصيل

لنتوقف عند الآية 33 من سورة الزمر، نكتشف أبعادا عميقة لقيمة الصدق في القرآن الكريم،

﴿وَالذِے جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُتَّقُونَۖ ﴾[33]

 ابن فارس رحمه في "مقاييس اللغة" يقول عن مادة "صدق":

"الصاد والدال والقاف أصلٌ يدلُّ على قوّةٍ في الشيء قولاً وغيَره.

من ذلك الصِّدْق: خلاف الكَذِبَ، سمِّيَ لقوّته في نفسه، ولأنَّ الكذِبَ لا قُوَّة له، هو باطلٌ.

وأصل هذا من قولهم شيءٌ صَدْقٌ، أي صُلْب.

ورُمْح صَدْقٌ.

ويقال صَدَقُوهم القِتالَ، وفي خلاف ذلك كَذَبوهم.

والصِّدِّيق: الملازم للصِّدْق…"

 الصدق أكثر من صفة، بل هو قيمة قوية في بنيان المجتمع، لننظر إلى قول البقاعي رحمه الله :

"لما ذكر سبحانه الظالمين بالكذب ذكر أضدادهم الذين يخاصمونهم عند ربهم وهم المحسنون بالصدق فقال: {والذي} أي الفريق الذي {جاء بالصدق} أي الخبر المطابق للواقع، فصدق على الله، وتعريفه يدل على كماله، فيشير إلى أن الإتيان به ديدنه لا يتعمد كذباً"

ثم أضاف البقاعي بُعدًا آخر بقوله : "وذكر أحب جزائه إليه، والإشارة إلى عراقته في الإحسان"، مؤكدًا أن الصدق منهج متكامل يستحق أحب الجزاء.

الصادق محسن في عمله، في تعامله، في شأنه كله. نلاحظ في كلام البقاعي كلمة "المطابقة" تذكرنا بأدبيات الجودة الحديثة، حيث الصدق يعني :

  • الإتقان
  • الأمانة
  • الالتزام بأعلى المعايير

وعندما نتأمل الآيات اللاحقة، نجد معانٍ أعمق :
  • الآية 35 تؤكد الجزاء بالأحسن
﴿لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْۖ ذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ اُ۬لْمُحْسِنِينَ ﴾[34]

  • الآية 36 تظهر الصدق كإحسان وحصن من عاديات الزمن
﴿ أَلَيْسَ اَ۬للَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالذِينَ مِن دُونِهِۦۖ …﴾[36]


أضف إلى ذلك أن الصدق منظومة اقتصادية واجتماعية :

آثار الكذب وتكلفته المرتفعة تشمل :
  • إهدار الوقت
  • تعطيل المعاملات
  • زعزعة الثقة
  • تكاليف مراقبة إضافية
  • تفكك النسيج الاجتماعي
بينما آثار الصدق :
  • تسريع المعاملات
  • خفض التكاليف التشغيلية
  • بناء الثقة
  • تسهيل التواصل
  • زيادة الإنتاجية
وعندما نصل للآية 74، نجد المومنين يحمدون الله ويفرحون بوعد الله الصادق 
﴿وَقَالُواْ اُ۬لْحَمْدُ لِلهِ اِ۬لذِے صَدَقَنَا وَعْدَهُۥ وَأَوْرَثَنَا اَ۬لَارْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ اَ۬لْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ اُ۬لْعَٰمِلِينَۖ﴾[74]

الطبري رحمه الله يوسع مفهوم الصدق والصادقين :
"والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره عنى بقوله: "وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ "كلّ من دعا إلى توحيد الله، وتصديق رسله، والعمل بما ابتعث به رسوله صلى الله عليه وسلم من بين رسل الله وأتباعه والمؤمنين به، وأن يقال: الصدق هو القرآن، وشهادة أن لا إله إلا الله، والمصدّق به: المؤمنون بالقرآن، من جميع خلق الله كائنا من كان من نبيّ الله وأتباعه"

وختامًا، يضيف ابن عاشور رحمه الله بُعدًا عميقًا بقوله: "والمعنى: أولئك هم الذين تحقق فيهم ما أريد من إنزال القرآن الذي أشير إليه في قوله: {لعلهم يتقون} [الزمر: 28]..."

فالصدق ليس مجرد قول، بل منهج شامل، عقيدة متكاملة، وحركة تغييرية يحملها المجتمع ليلج أبواب النهضة،

أيها الناهض المجاهد،

إن الصدق الذي تتبناه ليس مجرد قيمة أخلاقية، بل هو أساس كل نهضة حقيقية. فأنت - بصدقك - تبني صروح التغيير، وترسم مستقبل الأمة.
كن واعيًا أن الصدق :
  • منهج النهضة الأول
  • أداة التحول المجتمعي
  • رأس مال الأمم الحقيقي

اجعل الصدق منهجك، والإخلاص دثارك، والعمل سلاحك.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

والحمد لله رب العالمين.




كتب حسان الحميني.

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.