يأتي مشروع النهضة في سياق مسار نهضوي أكبر نحتاج أن نعرفه. لنحدد أين نحن منه. وليعرف من سيأتي من بعدنا أين توقفنا ويكمل من بعدنا.
سنستخدم نموذج مالك بن نبي "مشروع الانسان الجديد" لتبسيطه:
انسان ما قبل الحضارة /انسان الحضارة/انسان ما بعد الحضارة
أولا: انسان ما قبل الحضارة
-هو انسان الجزيرة العربية . عقله خام. اسلامه بسيط وليس مركب.
-نزل الاسلام على بيئة لم تكن محملة بالفلسفات والأفكار. فكان تبني افكار الاسلام سهل.
ثانيا : انسان الحضارة
معطيات الحضارة هي : الانسان . التراب . الوقت
تحدث النهضة عن طريق التفاعل المتوازن بين المعطيات الثلاثة من خلال "الفكرة الناظمة" القادرة على حشد طاقات الجماهير وتفعيلها.
الفكرة الدينية نجحت في تحويل المسلم الأول البسيط الى صانع نهضة:
- توسعت الدولة الإسلامية. تحولت إلى منارة علم في زمن المأمون.
- بدأت تضعف في العصر العباسي الثاني. جذبت الاعداء .غزو صليبي ومغولي. ثم خرجوا لعدم امتلاكهم مشروع حضاري.
- مضى القرن الخامس عشر. حكم في العصر المملوكي أناس ضعاف لا يدركون قيمة السوق .
- بدأ الغش في العملة. تململ التجار الاوروبين. ثم نجحوا في عبور رأس الرجاء الصالح.
- حرمان الموانيء الاسلامية من التجارة البينية ونشاط المواني الاوروبية كانت لحظة تاريخية ستغير معادلة العالم كله.
- انتقل الفلاحون في أوروبا الى المواني وأسسوا مجتمعات هناك ونشأت الطبقة البرجوازية بقيمها "الحرية والليبرالية".
- استمرت الحضارة الاسلامية بالضعف. أنقذهم ظهور الأتراك. الذين أصبحوا الحكام الفعليين.
كان الاتراك ينتصرون في معاركهم ولم يتنبه المسلمون الى الفجوة المعرفية الهائلة بينهم وبين اوروبا الى أن جاءت حملة نابيلون بونابرت عام 1797 الى مصر . وجاءت معها الصدمة الحضارية .
ثالثا : انسان ما بعد الحضارة
ولّدت الصدمة عشرات الأسئلة وظهر انسان الانتظار. عنده مشكلتين :
- اليأس (فقدان الروح).
- خلل في الجهاز المعرفي (تلقي المعرفة وتشغيلها) .
بعد خروج نابليون. ظهرت محاولات اصلاحية تحاول استلهام النموذج الحضاري الغربي:
- أرسل محمد علي باشا في مصر بعثات من الفنيين. من ضمنهم رفاعة الطهطاوي. درس المجتمع الفرنسي وخرج بكتاب "تخليص الابريز في تلخيص باريز".
- من تونس خرج "خير الدين التونسي" . زار اوروبا و جمع نظم السياسة والادارة في كتاب "أقوم المسالك".
- خرج تيار سياسي . يمثله جمال الدين الأفغاني. محمد عبده. الكواكبي اعتقدوا ان جذور الازمة اما الاستبدادا واما عجز تطوير النظام السياسي.
- قرر محمد عبده في نهاية حياته أن المسار السياسي ليس هو الحل وانما المسار التعليمي. واستمرت المحاولات مع استمرار الضغط الاوروبي.
مرحلة الصحوة
مرحلة حماس شديد ومحاولات جادة ولكن بدون رشد كافي بعد لإدارة شؤون هذا العصر .
انتشرت الأفكار القومية واليسارية والاسلامية.حدثت صراعات بين التيارات وداخلها. فقدت الاشتراكية والقومية جاذبيتها. بقي الحلم الاسلامي.
ظهر تيار ينادي باستدعاء الحل من تراثنا الديني. محمد رشيد رضا. ثم ظهر تيار دولة الخلافة. ثم ولدت تيارات اعنف (داعش).
بعد أن استنفد الحل الاسلامي خزينته المعرفية عمليا على الأرض. ظهرت الحاجة إلى تحولات كبرى. اعادة النظر في اصول الفكر ومقاصد الشريعة. ولكن الجهاز القديم ظل يقاوم التغيير.
مرحلة اليقظة
نحتاج ثلاثة تغيرات كبرى:
- تغير الجهاز المعرفي من فكرة الاستنباط الى الاستقراء.
- فكرة التيار رغم اختلافاتنا نتحرك ونوجد القاسم المشترك الأكبر .
- ثقافة مكافئة للعصر تسمح لنا أن نفهم احتياجات المرحلة وتعقيدات العصر وادواته.
- ثم تتشكل الكتلة الحرجة عبر التواصي بالخيرية والعمل المشترك. والتي تتكون من شريحتين :
- شريحة البدء : تتحرك في المجتمع
- شريحة التغيير : من بيدها مقاليد الحكم
- تلتقيان مع تطلعات المجتمع في الحرية والعدالة الكرامة.
- تشكلان رافعة لاحداث التحولات الاساسية الكبرى وهي التالية:
- علم سابق يتعدى مسألة اجترار العلوم الى انتاج العلوم.
- سعة وسائل العمران في مختلف أنظمة الدولة.
- القدرة على الدفاع الذاتي والأمن القومي.
- توفر هذه الشروط الاربعة الشروط كافي لقيام النهضة داخل المجتمع والباقي عبارة عن مسار تكميلي:
- اذا وصل المجتمع الى مرحلة النهضة عندها يستطيع أن يختار منطقة اسهامه الحضاري.
- ليست الغاية أن نمتلك حضارة تهيمن على الاخرين وانما الاسهام مع الاخرين في صنع الحضارة
بناء ضمانات الاستمرار الثلاثة
نموذج حسن بن حسن ينادي بتوفر ثلاثات ضمانات :
- تفعيل محرك النقد داخل المجتمع .
- احتضان الابداع .
- القدرة على تحويل القيم الى اجراءات .
الخاتمة
على صانعي النهضة ان يعرفوا النقلات في المسار الكبير أولا. وأن يملؤوا الفراغات فيه ثانيا ..
اعداد: م. رباب قاسمو
المصدر: برنامج البناء الثقافي لقادة النهضة، الدكتور جاسم سلطان